الأحد، نوفمبر 23، 2014

ثرثرة (ريحة حنين)

 أستيقظ غير متذكرة شئ من حلمي سوى أنه كان في بيت جدتي، لا يمكنني تحديد الوقت، أحاول أن أخمن من الشباك، لكن لا أرى أمامي سوى ما يشبه ما يمكن أن أراه من السرير في منزل جدتي، اعرف أنني لست هناك، أرمق سرير زميلتي في الغرفة لأكتشف أنه فارغ، وهي لم تتعود أن تستيقظ أبكر مني، لا بد أنني تأخرت كثيرًا في النوم، الآن ادرك النافذة والضوء الواهي المتسرب منها، لأدرك اننا لازلنا في الصباح الباكر، وساعة المحمول تونبؤني أن الساعة لم تبلغ السابعة صباحًا بعد، يحاول ان يغلبني الكسل لكن نشاط الزميلة غيرالمعهود حفزني لبدء يومي بنشاط وهكذا انطلقت في نزهة صباحية بهدف التريض، كان هدفي اليوم هو باعة الصحف اليومية في المنطقة، والذين لم أجد لدى أي منهم غرضي،وبينما أنا اتجول في شارع 26 يولو الشهير تذكرت ما حكاه لي زوج خالتي منذ أسبوعين وكنا جلوس بنادي ضباط الزمالك، وهو يحكي عن أن هذا النادي قد اجتمع به الضباط الأحرار للقيام بحركتهم فبل ان يطردوا من النادي ويستأجروا فيلا على ناصية الشارع المقابل، وسألت نفسي بينما اسير: لماذا إذن لم يتسم الشارع باسم الثورة التي قامت -إذا صح القول- وخطط لها في هذا الشارع بالتحديد؟ لم اجد إجابة فورية ولم ابحث عن إجابة لأن اليوم لم يكن عاديًا، عدت لغرفتي بالسكن الجامعي ومعي كوب الشاي باللبن المحبب وبينما أتناول إفطاري فاجأتني فيروز كراوية باغنيتها الجديدة:
نازلة ومزاجى عالى عاملة مش واخدة بالي
سايبه فى البيت زهق السنين كتابي ع الكومودينو
قلبي مش عارفه فينه رايحة مش عارفة رايحة فين

فاجأتني فكرة محاكاتها لحالتي وقبل أن أتمها أدركت أن هذه الأغنية سترافقني طوال اليوم، ولأنها أجبتني قررت محاكاتها حتى النهاية، ووجدتها تقول:
لابسة أجمل حاجاتي باسمع أمل حياتي واسأل طب بس هو مين
حاطة ميك آب هادي عاملة تسريحة عادي قلبي مفيهوش ريحة حنين
وهكذا تحركت للدولاب وأخرجت أجمل ثيابي، وفكرت في أمل حياتي، وهي أول مرة لا أحتاج لاعمال السؤال فيها، ربما أعرف الاجابة سلفًا، وودون تفكير كان الميك اب الهادي، وربطة الحجاب التقليدية، لكن العبارة الأخيرة توقفت أمامها حائرة، لأدرك أنني أكذب على نفسي للمرة المليون..

حبة ولقيته واقف شايفة ويا ريته شايف فجأة بقينا عين ف عين
حيرة وجنان وربكة
عيني في عينه شابكة
ويا قلبي ليه فرحان حزين
هو أكيد هو
لكن مش هو هو
فين لمعة عينيه فين البريق
راحت من عينه لمعة نزلت من عيني دمعة ميه وازاى تشعل حريق...

أتذكر الآن لحظات مربكة قلقة ربما لن تتكرر..


راجعة ومودي قالب مش عايزه أعيش في قالب خايفة أروح تاني للكتاب
لازم أحب وافرح لو حتى الحب يجرح بكره يخرج قلبي م الدولاب
لازم يخرج قلبي م الدولاب..

أعود وأذكر نفسي أليس هذا هو تمامًا ما حدث، وخرج قلبي من الدولاب تمامًا كالملابس التي أخرجتها منذ قليل ولبستها وتزينت، وابدى جميع من رآني تعجبهم وأشاروا كعادة الفتيات إلى أن هنالك سببًا، لم يكن لهم أكثر من أنها بداية أسبوع بعد انتهاء سابق كئيب أزعجتهم فيه بمرضي الذي لم يمكن لأي عين إغفاله!
أستمتع في الفاصل القصير بطعام دسم محبب مع ثرثرة الفتيات المسلية، لنعود بعدها وتكمل يومنا الممل، وأجد بعدها ذاتي قد قررت أن أطبخ خضارًا  ودجاجًا مسلوقًا للتكفير عن الجريمة التي ارتكبتها  في الاستراحة ، وبينما انتظر نضج طعامي في المطبخ أقرأ فيتعجب بعضهن من أنني أجد وقتًا للقراءة، أعلل أنه لاضير ببضع صفحات كل يوم في أوقات الانتظار وقبل النوم، وأكتشف أنهن يقرأن -بغض النظر عن الكتب بالطبع- ولكن لا يجاهرن بذلك لغياب الوقت! الذي يضيون أغلبه في الثرثرة وأشياء اخرى! وبعد نضج طعامي أدركت انه لابد أن أترك الكتاب وإلا أنهيته دون أن أنهي مذاكرتي التي لا تنتهي،، وهكذا اجدني أمام الأوراق والأرقام، أقرأ أفهم ، لكن عيوني لا تستطيع النظر فيها أكثر، تلك التي مدحتها رفيقة الغرفة معربة أنها أجمل كثيرًا دون الكحل، أود لو أرد عليها ردًا بعينه، لكنها لن تفهم قولي وسيتطلب الأمر شرح كثير أنا في غني عنه، لكن توجعني الحقيقة، حقيقة تردد كلمات أمل في ذهني بشأن العيون الخضر، وأنه الوحيد الذي استطاع أن يعبر عن ذلك دون أن يقصدني تحديدًا! خاصة بعد حديث أمس الذي اكتشفت به أن أمل رجلًا وليس إمرأة! حينها ابتسمت من حقيقة انني يومًا ما ظننت ذات الأمر حتى فاجأتني صورته..

بينما أنا أحاول حل الكثير من مسائل التباديل والتوافيق، أجدني أفكر في حل لمسألة واحدة:
"فتاة تشعر بضيق لأسباب عدة وتلتقي بيومها بستين فتاة، وربما يتكرر لقائها ببعضهم عدة مرات يوميًا في أماكن مختلفة ، ربما ممر، ربما المطبخ، ربما الحديقة، وفي كل مرة يسألن بعضهن عن الأحوال،والاجابة دائمًا واحدة: كويسة الحمد لله زي الفل، ما هو احتمال أن يدرك أحدهن أن الفتاة تكذب؟"
وأجدني أسرح في صيغة السؤال الذي لن يباغتني في الامتحان، ولن أهتم بحله على هذه الشاكلة في كل الأحوال، لأنني لو أردت حل هذا السؤال كما يحلو لي لكان الأمر أبسط من ذلك، ببساطة ليس مهمًا أن تدرك إحداهن أن الفتاة لا تشعر بخير، وليس مهمًا كيف تبدو في أعينهم، وليس مهمًا أي شئ  سوى صدقها مع ذاتها المتمثل في حقيقة ألا تدعي ما ليس حقيقي حتى لو كان لا يهم الآخرين وليس من شأنهم بالمقام الأول، وبالطبع الحل أبسط من ذلك بكثير أن تجد حلًا لكل ما يؤرقها من مشاكل!
لتكتشف أن مشكلة بعينها ليست بيدها على الاطلاق، عقلها وقلبها فشلا بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، ولا يؤرقها الفشل ذاته، ولكن يؤرقها المأزق ذاته!
التفكير في دوائر مغلقة أيضًا أحد المغالطات المنطقية التي ذكرتها في حل سؤال ما، لكنها لا تجد له حل لديها، تغير ملابسها وتحمل كتبها وأوراقها وتغادر الغرفة عل الجدران الأربة تعيق تركيزها لتلجأ للحديقة التي لا تحل المشكلة، تنضم لمجموعة مذاكرة ربما شحذوا تركيزها وطاقتها ولكن بلاجدوى، تقرر القيام بنزهة ليلية  للترويح عن النفس، ولا شئ يجدي، ولا حتى نقر الكلمات حتى يحين موعد نومها، ربما حينها تدرك كم هي تستحق الشفقة! 

ليست هناك تعليقات: