الثلاثاء، يونيو 22، 2021

سحر موتسارت

 أخذتني موسيقى موتسارت لحديقة غناءة، أنام فيها على العشب، بينما يمر السحاب خفيفا لطيفا، وتغرد الطيور في عذوبة، لست وحدي في الحديقة، مع العائلة أو أصدقاء، أعرف وجودهم لكنني منفردة بحالي، إلى أن يعلو صوتهم لخلاف في نقاش، أتجه نحوهم، أميز طرفي النقاش، وشخص حيادي يحاول التهدئة، إلى أن يحضر الطعام، حين يصمت الجمع يزدردون غصة الخلاف بشهي الأكلات، وحين ينتهون يتفرقون، جمع يلعب، جمع يتغازل، وأنا أنعم بسكينة الأصيل، تأخذني نسمات الهواء لذكريات، يليهيني عنها بعض الفراشات الطائرة، ولا يصرفني عنها سوى عراك بالأيدي بين شخصين، لا نعرف كيف نشب، ولا نعرف له إيقافا، نشاهد في عجب بينما يتنابذ الطرفان اللكمات والألقاب، لكن كلمة تفلت لا تشي بشيء سوى بالحب، فيهدأن، يفترقان، ويمضي كل في طريق متحسرا على ما بدر من طرفه من إساءة، ليسود مجددا السلام، بينما الشمس غاربة في الأفق، والطيور رجوع إلى أعشاشها


الاثنين، أغسطس 17، 2020

صفية

في فبراير، سألتني: مالها زعلانة ليه؟

قلت: مش عارفة، جايز عشان متجاهلاها اليومين دول

قالت: اسمها ايه؟

قلت: مش عارفة، هو أنا ازاي ماسمتهاش لحد دلوقتي

وبعد انتهاء الحصة، وفي طريق العودة للمنزل، ظللت أفكر لماذا لم أسم الكمان؟ هي لدي منذ يناير، وقبلها كان لدي أخرى أتعبتني كثيرا حتى أشير علي بتغييرها، في المترو ظللت أفكر، حتى وصلت محطتي وبينما أترجل الباقي من الطريق، أسميتها صفية، فهي تعرف كيف تجعلني صفية، أهجرها أشهر العزل وحين أعود، أقضي وقتا طويلا مع معلمي لضبطها، يقول لي: الكمان من الآلات التي يحلو صوتها كلما عزفت عليها

 أدرك أن صفية غير صافية، وأنها ستصفو حين أجالسها أكثر وهي في هذا لا تطلب أكثر من أن تراني في كل أحوالي، وهي أقرب من حضن، أخبر أميرة عنها: تقول أنها تقلق علي، لأنني أصبحت رومانسية مع جماد، أضحك، لأن قصة صفية لا تخبر شيئا عني.

الأربعاء، يوليو 29، 2020

صورة لا تحكي 3

بسمة ساحرة
شمسية
بحر
سماء
رمال شاطئ
هي عناصر صورة لا تحكي 
والقصة تستحق الحكي، العجب والإعجاب


ينتهي يوم العمل، وطالما انتهى فهو انتهى، الأولوية الآن للاستمتاع، البحر ينتظر، في الطريق القصير، يشير علي أبي بزيارة حمام السباحة، فالبحر من بعيد يبدو هائجا أكثر من أمس، أصر على العودة إلى البحر كالأيام السابقة، أترك أشيائي في حيازة والدي وأنطلق، أعافر مع الأمواج حتى يصل الماء إلى خصري، أحاول الولوج حتى يصل الماء إلى كتفي، لكن موجة وراء موجة تزيحني للشاطئ، أقول له: اهدأ، أنا الوحيدة هنا التي فضلتك، سأتحرى الأمان وأبتعد عن الأمواج، أقرب ما سأكون للزبد، فهو يذهب جفاء، فلا يؤذي، لكن قمة موجة تطالني، أقفز عليها لأتفادى الأذى، لكنها تغمرني وتطرحني في طريقها، وتلحقها أخرى، فأرتطم بالقاع مرتين، تمر الموجة، والماء المالح قد ملأ فمي، أقف، لأشعر أن شعري حر، الموجة سرقت غطاء رأسي، أجول بعيني وسط الأمواج، علني ألمحه بينما ألتقط أنفاسي، لا أثر، ولا أريد أن أغامر أكثر، أريد أن أستريح، ألمح عائلة على الشاطئ، وشخص جالس، لابأس، سأخرج الآن وسأجد حلا لشعري، أتجه حيث يجلس والداي، أضحك كما أفعل دوما، أغطي شعري بالفوطة، أجلس، تخبرني أمي أنني بدوت كأنني أعارك الموج، وأن المشهد كان خياليا، إلى أن أتت ثلاث موجات ساحقة، ظهرت بعدها دون الحجاب، أعارتني "الباندان" تحت حجابها وأكتشف أنني فقدت قرطا أيضا، وجلسنا نستمتع بالغروب بينما صديقة ترسل لي ما مضمونه، ضعي صورة لك بالأبيض والأسود، لأننا على طبيعتنا أحلى، أرتدي الابتسامة المعهودة، ألتقط الصورة التي  لا تحكي، لن تكون الصورة الأخيرة، كما أن صراع الأمواج لن يكون الأخير بعد. 

السبت، مارس 21، 2020

ثريا ودلال

"يمكنني أن أمكث في المنزل فترة طويلة جدا وحدي تماما طالما كان لدي كل ما أحتاج إليه"
كان هذا ردي على صديقتي التي سألتني عن حالي، وكان تفسيرها للحاجة للخروج هي أن ترى الأشجار وتشعر بالطبيعة، حينها أدركت أنني ممتنة جدا لنواة الحديقة التي بدأتها منذ عام تقريبا، وكان لابد لي أن أشارك هذه القصة التي تعتمل في صدري منذ بداية هذا العام.
منذ عام، كنت أشعر بضيق شديد ولاجدوى لعملي، وهو شيء لو تعلمون عظيم، وددت حينها أن يكون لي أي شيء أتطلع إليه، السفر كانت فكرة تروادني منذ أغسطس ولكن حال دونها ظروف كثيرة، ولأنني أحب الأفوكادو، وأشتريه باستمرار، ففكرت: لم لا أزرع بذرة؟ وبالطبع أجابني جوجل بأن الأمر بسيط ولا يتطلب مجهودا كبيرا، فبت أتبع الخطوات البسيطة مع كل بذرة جديدة، وأنتظر، هل قلت أن وضعت هذه البذور على منضدة بغرفتي بالقاهرة، وكان وجودها هناك محل تساؤل من صديقاتي، هل الأمر مجد؟ متى ستثمر أي بذرة من هذه البذور؟ كانت ردودي أن الموضوع سيستغرق وقتا، ولن تثمر أي بذرة إلا بعد خمس سنوات على أقل تقدير، وفي أواخر إبريل كان سفري القصير إلى كينيا، حيث عدت بقبضة من تربتهم كما طلبت صديقة لي، قلت لنفسي حينها ربما سأزرع فيها شجرة أفوكادو تنبت من البذور التي تركتها، حين عدت من السفر في مايو، كانت البذور كما هي، وكيف يطرأ أي تغيير ولا ماء في الأواني الصغيرة، فواظبت لشهر أو اثنين على متابعتها، حتى لمحت يوما ما يشبه جذر صغير ينبت، وكنت حقيقة في أشد الحاجة لأي أمل، بدأت حينها أهتم أكثر بالبذور خاصة والحرارة تشتد والماء ينضب أسرع، بدأت أتابع تطور الجذور لحتى كانت فرحتي غامرة حين لمحت بوادر وريقة خضراء. حدث هذا مع بذرتين من أصل سبعة أو ثمانية.
يحل أكتوبر، ولدي نبتة صغيرة وأخرى تحتذي خطوها، وأنتقل إلى سكن جديد، وقلقي الوحيد ألا تتأقلم الصغيرتان على الظروف الجديدة من شمس أقل حدة لكنهما تصمدان، وحينها قررت أنه حان وقت أن أغرس هاتان النبتتان في التربة، فخلطت ما أحضرت من كينيا بتربة أخرى مصرية وغرستهما، فنمتا ليتعدى طول أحدهما المتر والأخرى أقل من المتر قليلا.
والحقيقة أن هاتان النبتتان كانتا السبب في إبهاجي في أيام مظلمة كثيرة، حيث لم أبذل جهد كبير، كل ما كان علي فعله هو أن أؤمن أن شيئا سيحدث وأن أوفر ظروف مواتية بسيطة، أنا أعتبر أن لدي الآن حديقة صغيرة في غرفتي، درتاها هما هاتان الشجيرتان، تسليهما ساق من البامبو، بينما ثلاثتهم قدوة لبذور أفوكادو أخرى، وجذور جزر وكرفسة وبصلة خضراء وأعواد من النعناع. نواة حديقة كما قلت، لكنها تسري وتسلي أيامي حتى قبل هذه العزلة الإجبارية. في ديسمبر وددت لو أكتب عن هذا لكن طاقتي كانت مستنفدة كلية. أنتبه الآن أنني لم أسم أي منهما كما لم أسم الكمان، لم أنتبه لذلك إلا حين سألتني معلمتي عن اسم الكمان، أطرقت حينها من المفاجأة، ولكن هذه قصة أخرى، فالآن أسميهما: ثريا ودلال.


الاثنين، ديسمبر 31، 2018

عزيزي الله 6

أنا متعبة يا الله
متعبة ولا أعرف أين موضع التعب، مستنزفة، لا رغبة لي في أي شيء، مستسلمة على غير العادة لكل ما يحدث، لا شيء يعجبني كما قال درويش، ولا أعبر حتى عن ذلك إلا كمبرر لفقدان الحماس، لا تشكل نهاية هذا العام أي فارق ولا بداية عام آخر غدا، فالأيام تمر بسرعة ثقيلة، قد يبدو هذا متناقضا وبلا معنى لكنها الحقيقة، ما جدوى كل هذا؟ ما جدوى السعي والمحاولات إذا كانت النتيجة واحدة؟ أنا مدركة أنني يجب أن أسعى كي يرتاح ضميري، أنا أيضا مدركة أن الكنز في الرحلة لكن ثم ماذا؟ أنا محتاجة لإشارة واحدة تبعث الأمل.  
لا أريد من العام الجديد سوى طاقة حب وسلام، فهلا ترزقني السكينة؟
أما عن العام الذي ينتهي، فأنا ممتنة لكل المسرات الخاطفة والأوجاع الملازمة، أنا ممتنة لأنك غرست في من القوة ما يلازمني في مواجهة العواصف، أنا ممتنة للرهف الذي يشعرني أنني إنسانة، أنا ممتنة لأنك جعلتني كتابا تستعصي قراءته على من لا يستشعرون العطف.
 أنا ممتنة رغم أني متعبة، أنا ممتنة وواثقة من الفرج. أنا أحبك يا الله!

السبت، ديسمبر 15، 2018

طل

أستلقي في سريري
لا أريد أن أبرحه
نور الشمس يغري
بيوم مشرق
أستمتع بالدفء
حتى ألمحه خارج النافذة
واقفا على سلك يستمتع مثلي بدفء اليوم
أشعر أنه يطل علي
ويستمتع معي
أقترب من النافذة
يطير

الأحد، ديسمبر 02، 2018

نوفمبر الميلاد / الموت

ألمحه هذا الصباح في طريقي لشراء إفطار سريع
كلب شارع منهمك كلية في تمزيق أحشاء قطة نافقة بمسنون أنيابه
مشهد طبيعي، فالقطة إفطاره كما أن الفول إفطاري، لكن هذا المشهد مع كان يعتمل في دماغي من ثنائية الميلاد الموت ونوفمبر، الشهر الذي أحتفل فيه بمولدي، كان قاسيا، لا تدور في ذهني أسئلة من نوع: هل طاردها إلى أن صارت إفطاره؟ هل استسلمت أم حاربت؟، هل دهستها إحدى السيارات المارقة في شارع عبد الخالق ثروت؟ كل هذه الأسئلة تقفز في ذهني الآن بينما أنهي إفطاري وأنقر هذه الكلمات، المشهد طبيعي كطبيعية كل ما حدث في نوفمبر، كأن أتلقى خبر مرض احتجاز أبي بالمشفى وأنا في القطار إلى طنطا في أول أيام عامي الجديد، لأنشغل بأسئلة مثل ماذا حدث؟ ولم لم يخبرونني منذ بدأت الأعراض تزوره؟ 
يقلني أخي من المحطة ويحكي لي كل ما فاتني طيلة أسبوع مرضه، هكذا وصته أمي لئلا أهلع حين أراه، لكن كل هذا لا يغني عن الهلع، وكيف لا وأنا أراه يتلوى من الألم بينما جمع غفير من الأهل والأصدقاء يتحلقون حوله، ويؤلمه أكثر أنهم يتحلقون حوله وهو في هذه الحالة، أحتال وإخوتي كثيرا لنصرف الجمع، بلا جدوى، ويمر الوقت ثقيلا في انتظار الطبيبة التي ستحدد الخطوة التالية، أمسك دموعي لأن انهياري في تلك اللحظة لن يولد إلا مزيد من الألم له، أربت على كتفه، يعنفني بمزحة ساخرة: "هو أنا قطة، هتطبطبي عليها"، أعرف أن هذا هو الألم يتكلم، فهو لا يحتمل حتى لمستي الحنونة، لكنه يقدرها، يكسر حدة الموقف لنضحك جميعا بينما لا يزال يتلوى من الألم، تصل الطبيبة وتقرر أن يجري عملية جراحية، في الحادية عشر ليلا يدلف إلي غرفة العمليات، وأنتظر وأخي وابن عمي في غرفة ملحقة بالعمليات الأخبار، يتحدثان عن عفش السيارات ويذكرون أجزاء منها لا علم لي بها، يسرون وقت الانتظار الممض، وأنا أسريه بالنظر إلى هاتفي والاستجابة لرسائل لها علاقة بالعمل، يخرج طبيب التخدير شاحب الوجه ليجدنا جالسون فيعود إلي داخل غرفة العمليات، يعتمل القلق داخلي أكثر، فكأنما شهد كارثة حقيقية بالداخل وهرع للداخل لئلا يضطر لمشاركة أي شيء، يطول الوقت، مما يثير ارتباكي، لا يستغرق استئصال الزائدة الدودية كل هذا الوقت، ثم هذا الممرض الذي يغادر غرفة العمليات ليعود حاملا أشياء أكاد أجزم أن ليس لها علاقة بالعملية، نعرف بكل شيء لاحقا، أحمد الله على كرمه، فلولا سلسلة الآلام لما عرفنا شيئا عن الجلطة حديثة التكون، نطمئن على سلامته بينما تتجاوز الساعة الواحدة والنصف ليلا، نغادر المشفى لنترك أخي الصغير ساهرا جواره، بينما تقول لي أمي: آسفة أن يمر اليوم هكذا دون احتفال، وفي هذا الظرف العجيب، أبتسم وأغمغم شيئا لا أذكره الآن، لكنني أذكر أن العام الماضي لم يختلف كثيرا، فقد قضيت يوم ميلادي مع صديقتي ليقرر الطبيب مصير طفل في رحمها، ويخبرها أن هذا الطفل سيقتلها لا محالة، إما حالا أو أثناء الولادة، أنا منتبهة للإشارة التي يبعثها الله لي في كل عام في ذات الموعد، منتبهة، وهذا لا يعني أنني أحاول موازنة الاستمتاع بالحياة بينما الموت يحوم حولي وحول من أحب، تخبرني أمي صبيحة اليوم التالي: أنني كنت حيوية جدا في اليوم السابق كما لو أنني كنت مرتاحة جدا ولم يرهقني عمل ولا سفر، أبتسم لأذكرها أنني قضيت يوم مولدي إجازة استرحت بعضها واستمتعت بعضها، فكان تعب الأسبوع قد تسرب، وأحكي لها عن اليوم الطويل الذي قضيته في إجتماع بائس طويل قبيل أن أستقل القطار إليهم ، لكنني غالبا أعيش كالشجرة السامقة التي تطل عليها غرفتي والتي تأملتها جمعة عيد الشكر، كانت أغصانها تهتز للريح العاصفة والأمطار التي كانت في ذلك اليوم، بينما أنا أرقد في سريري مستسلمة لدور الانفلونزا ومستريحة بعد عناء ترتيبات اليوم السابق، كانت الشجرة تحكي لي قصص ساكنيها من الأفرع المختلفة، فهذا الفرع عجوز يراقب الفروع الأصغر سنا وهي تجري لاهية في مهب الريح، أما الفرع الأب والأم فكانوا يراقبون الأجواء في صمت مستكين مستمتع بالحياة التي تعامل حولهم، هل علي أن أقف كتلك الشجرة وأراقب في صمت حنون؟  حقيقة في ذلك اليوم  والأسبوع الذي تلاها أتحين كل فرصة للانتباه لحديث الأشجار في كل الطرق.، أدرك وأنا أحكي  لها أن عمر السعادة ساعات معدودة ثم تحدث الحياة، تماما كما حدث في آخر أيام نوفمبر، فشدت سعاد ماسي في الأسود الذي لاق بها في عذوبة لا مثيل لها، بعض الهنات نعم، لكن البهاء لا يخفى، أعود للمنزل لأجد الباب مفتوحا ولا يتسكر، ورفيقتا السكن نائمتان، أعمل الترباس، فليس منطقيا أن أخابر أخي ليعود أدراجه، ثم يعود ليفعل ماذابعد منتصف الليل،  وأنا أغمغم الصباح رباح، ويأتي الصباح حاملا صراعات كثيرة في العمل، ليتأكد لي في كل لحظة: أن السعادة ساعات معدودة علي اقتناصها كما أن علي اختيار معاركي، منتبهة أيضا أنني في بدء نوفمبر كنت سأحكي عن كيف تقهرنا القاهرة ، المدينة التي تقهر كل من تطأ قدماه ترابها أو هكذا كنت أظن، ما ذنب المدينة على أية حال؟ أنا مدركة الآن أننا نقهر أنفسنا ونقهر بَعضُنَا بعضا عن قصد أو دون، في مشهد لا يقل طبيعية وقسوة عن مشهد الصباح،  وهكذا علي أن أعيش كقطة بسبع أرواح حتى يخطفني الموت في لحظة ما، وربما يسحبني بعدها كلب في زقاق جانبي ليتغذى على جثتي في مشهد طبيعي كما رأيت اليوم،