الاثنين، ديسمبر 31، 2018

عزيزي الله 6

أنا متعبة يا الله
متعبة ولا أعرف أين موضع التعب، مستنزفة، لا رغبة لي في أي شيء، مستسلمة على غير العادة لكل ما يحدث، لا شيء يعجبني كما قال درويش، ولا أعبر حتى عن ذلك إلا كمبرر لفقدان الحماس، لا تشكل نهاية هذا العام أي فارق ولا بداية عام آخر غدا، فالأيام تمر بسرعة ثقيلة، قد يبدو هذا متناقضا وبلا معنى لكنها الحقيقة، ما جدوى كل هذا؟ ما جدوى السعي والمحاولات إذا كانت النتيجة واحدة؟ أنا مدركة أنني يجب أن أسعى كي يرتاح ضميري، أنا أيضا مدركة أن الكنز في الرحلة لكن ثم ماذا؟ أنا محتاجة لإشارة واحدة تبعث الأمل.  
لا أريد من العام الجديد سوى طاقة حب وسلام، فهلا ترزقني السكينة؟
أما عن العام الذي ينتهي، فأنا ممتنة لكل المسرات الخاطفة والأوجاع الملازمة، أنا ممتنة لأنك غرست في من القوة ما يلازمني في مواجهة العواصف، أنا ممتنة للرهف الذي يشعرني أنني إنسانة، أنا ممتنة لأنك جعلتني كتابا تستعصي قراءته على من لا يستشعرون العطف.
 أنا ممتنة رغم أني متعبة، أنا ممتنة وواثقة من الفرج. أنا أحبك يا الله!

السبت، ديسمبر 15، 2018

طل

أستلقي في سريري
لا أريد أن أبرحه
نور الشمس يغري
بيوم مشرق
أستمتع بالدفء
حتى ألمحه خارج النافذة
واقفا على سلك يستمتع مثلي بدفء اليوم
أشعر أنه يطل علي
ويستمتع معي
أقترب من النافذة
يطير

الأحد، ديسمبر 02، 2018

نوفمبر الميلاد / الموت

ألمحه هذا الصباح في طريقي لشراء إفطار سريع
كلب شارع منهمك كلية في تمزيق أحشاء قطة نافقة بمسنون أنيابه
مشهد طبيعي، فالقطة إفطاره كما أن الفول إفطاري، لكن هذا المشهد مع كان يعتمل في دماغي من ثنائية الميلاد الموت ونوفمبر، الشهر الذي أحتفل فيه بمولدي، كان قاسيا، لا تدور في ذهني أسئلة من نوع: هل طاردها إلى أن صارت إفطاره؟ هل استسلمت أم حاربت؟، هل دهستها إحدى السيارات المارقة في شارع عبد الخالق ثروت؟ كل هذه الأسئلة تقفز في ذهني الآن بينما أنهي إفطاري وأنقر هذه الكلمات، المشهد طبيعي كطبيعية كل ما حدث في نوفمبر، كأن أتلقى خبر مرض احتجاز أبي بالمشفى وأنا في القطار إلى طنطا في أول أيام عامي الجديد، لأنشغل بأسئلة مثل ماذا حدث؟ ولم لم يخبرونني منذ بدأت الأعراض تزوره؟ 
يقلني أخي من المحطة ويحكي لي كل ما فاتني طيلة أسبوع مرضه، هكذا وصته أمي لئلا أهلع حين أراه، لكن كل هذا لا يغني عن الهلع، وكيف لا وأنا أراه يتلوى من الألم بينما جمع غفير من الأهل والأصدقاء يتحلقون حوله، ويؤلمه أكثر أنهم يتحلقون حوله وهو في هذه الحالة، أحتال وإخوتي كثيرا لنصرف الجمع، بلا جدوى، ويمر الوقت ثقيلا في انتظار الطبيبة التي ستحدد الخطوة التالية، أمسك دموعي لأن انهياري في تلك اللحظة لن يولد إلا مزيد من الألم له، أربت على كتفه، يعنفني بمزحة ساخرة: "هو أنا قطة، هتطبطبي عليها"، أعرف أن هذا هو الألم يتكلم، فهو لا يحتمل حتى لمستي الحنونة، لكنه يقدرها، يكسر حدة الموقف لنضحك جميعا بينما لا يزال يتلوى من الألم، تصل الطبيبة وتقرر أن يجري عملية جراحية، في الحادية عشر ليلا يدلف إلي غرفة العمليات، وأنتظر وأخي وابن عمي في غرفة ملحقة بالعمليات الأخبار، يتحدثان عن عفش السيارات ويذكرون أجزاء منها لا علم لي بها، يسرون وقت الانتظار الممض، وأنا أسريه بالنظر إلى هاتفي والاستجابة لرسائل لها علاقة بالعمل، يخرج طبيب التخدير شاحب الوجه ليجدنا جالسون فيعود إلي داخل غرفة العمليات، يعتمل القلق داخلي أكثر، فكأنما شهد كارثة حقيقية بالداخل وهرع للداخل لئلا يضطر لمشاركة أي شيء، يطول الوقت، مما يثير ارتباكي، لا يستغرق استئصال الزائدة الدودية كل هذا الوقت، ثم هذا الممرض الذي يغادر غرفة العمليات ليعود حاملا أشياء أكاد أجزم أن ليس لها علاقة بالعملية، نعرف بكل شيء لاحقا، أحمد الله على كرمه، فلولا سلسلة الآلام لما عرفنا شيئا عن الجلطة حديثة التكون، نطمئن على سلامته بينما تتجاوز الساعة الواحدة والنصف ليلا، نغادر المشفى لنترك أخي الصغير ساهرا جواره، بينما تقول لي أمي: آسفة أن يمر اليوم هكذا دون احتفال، وفي هذا الظرف العجيب، أبتسم وأغمغم شيئا لا أذكره الآن، لكنني أذكر أن العام الماضي لم يختلف كثيرا، فقد قضيت يوم ميلادي مع صديقتي ليقرر الطبيب مصير طفل في رحمها، ويخبرها أن هذا الطفل سيقتلها لا محالة، إما حالا أو أثناء الولادة، أنا منتبهة للإشارة التي يبعثها الله لي في كل عام في ذات الموعد، منتبهة، وهذا لا يعني أنني أحاول موازنة الاستمتاع بالحياة بينما الموت يحوم حولي وحول من أحب، تخبرني أمي صبيحة اليوم التالي: أنني كنت حيوية جدا في اليوم السابق كما لو أنني كنت مرتاحة جدا ولم يرهقني عمل ولا سفر، أبتسم لأذكرها أنني قضيت يوم مولدي إجازة استرحت بعضها واستمتعت بعضها، فكان تعب الأسبوع قد تسرب، وأحكي لها عن اليوم الطويل الذي قضيته في إجتماع بائس طويل قبيل أن أستقل القطار إليهم ، لكنني غالبا أعيش كالشجرة السامقة التي تطل عليها غرفتي والتي تأملتها جمعة عيد الشكر، كانت أغصانها تهتز للريح العاصفة والأمطار التي كانت في ذلك اليوم، بينما أنا أرقد في سريري مستسلمة لدور الانفلونزا ومستريحة بعد عناء ترتيبات اليوم السابق، كانت الشجرة تحكي لي قصص ساكنيها من الأفرع المختلفة، فهذا الفرع عجوز يراقب الفروع الأصغر سنا وهي تجري لاهية في مهب الريح، أما الفرع الأب والأم فكانوا يراقبون الأجواء في صمت مستكين مستمتع بالحياة التي تعامل حولهم، هل علي أن أقف كتلك الشجرة وأراقب في صمت حنون؟  حقيقة في ذلك اليوم  والأسبوع الذي تلاها أتحين كل فرصة للانتباه لحديث الأشجار في كل الطرق.، أدرك وأنا أحكي  لها أن عمر السعادة ساعات معدودة ثم تحدث الحياة، تماما كما حدث في آخر أيام نوفمبر، فشدت سعاد ماسي في الأسود الذي لاق بها في عذوبة لا مثيل لها، بعض الهنات نعم، لكن البهاء لا يخفى، أعود للمنزل لأجد الباب مفتوحا ولا يتسكر، ورفيقتا السكن نائمتان، أعمل الترباس، فليس منطقيا أن أخابر أخي ليعود أدراجه، ثم يعود ليفعل ماذابعد منتصف الليل،  وأنا أغمغم الصباح رباح، ويأتي الصباح حاملا صراعات كثيرة في العمل، ليتأكد لي في كل لحظة: أن السعادة ساعات معدودة علي اقتناصها كما أن علي اختيار معاركي، منتبهة أيضا أنني في بدء نوفمبر كنت سأحكي عن كيف تقهرنا القاهرة ، المدينة التي تقهر كل من تطأ قدماه ترابها أو هكذا كنت أظن، ما ذنب المدينة على أية حال؟ أنا مدركة الآن أننا نقهر أنفسنا ونقهر بَعضُنَا بعضا عن قصد أو دون، في مشهد لا يقل طبيعية وقسوة عن مشهد الصباح،  وهكذا علي أن أعيش كقطة بسبع أرواح حتى يخطفني الموت في لحظة ما، وربما يسحبني بعدها كلب في زقاق جانبي ليتغذى على جثتي في مشهد طبيعي كما رأيت اليوم، 

الأحد، نوفمبر 11، 2018

وحدة زمنية جديدة

عينه على ساعته الجديدة
يتأملها في ضجر، سخط ونفاد صبر،
يتمنى
لو أن القطرة عابرة زجاجة المحلول إلى دمه
 تسرع قليلا،
لا ينظر لساعته،
لا يفكر في الوقت المارق،
لكنه يحسب كم قطرة تلزم لتنتهي الزجاجة؟


الخميس، نوفمبر 08، 2018

A message in a bottle! 11

نعم، هذا هو موعد رسالتي السنوية لذاتي.
اليوم أتتمت الواحدة والثلاثين، لم أكتب يوما عن الأمر، وإن كنت قد تحدثت عنه مع عدد من الأصدقاء، وربما أكتب هذا الآن لأسجل اكتشافي، بعد الثلاثين الحياة أرحب، الحياة أبسط أيضا، ليس لخلوها من التعقيدات، ولكن ربما لتصالحي مع الحياة، تصالحي مع العيش دون توقعات، مع العيش لإثبات أي شيء، لا حاجة لي لإثبات أنني أذكى أو أجمل أو أرحب، أنا هي أنا، لا حاجة لي لملاقاة توقعات الآخرين، لا حاجة لي بقبول أى اختيار أو حد اختياراتي بين قرارين، كلما وجدتني في موقف مماثل، أبتسم وأنتظر، لست مضطرة لقبول وظيفة لا تعجبني، سكن لا يناسبني، ولا أي حياة لا تناسبني، ولا يعني هذا أنني متطلبة، لكن ربما يعني أنني متصالحة مع حقيقتي كلية، وربما هذا هو سبب الرضا الذي عادة ملا يلازمني، لا أنكر أنني منذ أسابيع قليلة كنت ساخطة، حتى أدركت أن اختياراتي هي السبب، لطالما عرفت ذلك، الاختيارات هي سبب كل ما نشعر به، ولا أنكر أنه ربما هنالك عوامل خارجة عن إرادتنا، لكن هذه قصة أخرى، أنا فقط لا أستطيع أن أطرد صورة سائق التاكسي الذي أقلني اليوم في رحلتي القصيرة بعد التسوق العظيم الذي قمت به، كنت قد غادرت سيارة أجرة أخرى ليس لشيء سوى أن سائقها لم يعمل العداد، ويطلب أجرة أكثر مما يستحق، ولو أن هنالك درسا تعلمته فهو ألا أقبل أن يستغل أحدهم أنني أحمل أشياء كثيرة، ولحظة غادرت السيارة الأولى، حتى مرقت الثانية، وتكرر السيناريو، فالعداد لا يعمل والأجرة أكثر من المستحقة، أخبرته عن الأجرة التي سأدفعها، هو كان يأمل أن أذعن لكنني لم أفعل، سألني أن أتنازل عن الفارق، ورغم أنه ليس كبيرا ويمكنني تحمله ببساطة، لكن القضية لم تكن لي المال، بل المبدأ، فأخبرته: أنه لو لا تناسبك الأجرة، الأمر ببساطة أن تركن السيارة وسأتصرف، لكنه لم يفعل زاعما أنه لا يحب أن يترك فتاة أو سيدة في هذا الموقف، ولم يكن الوقت متأخرا ليقول ذلك، لذلك كررت عليه الكلامات: لو لا يناسبك عرضي، اتركني هنا، لكنه أكمل الطريق الذي لم يكن طويلا للمترو، وظل طوال الطريق يتبرم من الأوضاع الاقتصادية، ثم من أن المترو الذي دشنه السيسي هو سبب الخراب، فالناس يأتون من كل الأرجاء لسيتي ستارز ثم يعودون، ويدفعون أقل القليل، مونولوج طويل من السخط من الأحوال، لم أعرف حقيقة هل كان سخط لمجرد السخط، أم سخط لاستجداء مزيد من النقود، الحقيقة لم أهتم لما كان يقوله، كل ما التفت له كل طاقة السخط الكامنة وراء الكلمات، وأدركت أن السخط سهل جدا، وأنني لابد ألا أذعن أبدا لطاقة مماثلة.

عزيزي الله:
أنا ممتنة لحد اللانهاية للسنة الماضية، لقد كانت حافلة بحق، حافلة بالتجارب الجديدة، الوجهات الجديدة، الاكتشافات والطرق الجديدة، والمهم الناس الجميلة الذين أقابلهم وأتعلم منهم أشياء جديدة، والقائمة الطويلة من الأصدقاء الداعمين حتى وإن غلب التقصير من جانبي، وأهلي المتفهمين والداعمين، أنا ممتنة وشاكرة ولا أعرف كيف أعبر عن امتناني، أنا شاكرة لكل يد ترسلها تربت على قلبي في اللحظات الصعبة، أنا ممتنة لكل الاختيارات والفرص، أنا أحبك يا الله!

الجمعة، أكتوبر 12، 2018

حقيبة واحدة

تدهشني حقيقة أن
حقيبة واحدة تتسع لأغلب أشيائي
ألملمها من هنا وهناك،
والكتب تسع حقيبة يد واحدة
أما أشيائي الصغيرة
فلا يتسع لها سوى قلبي
 طائرة أود لو أستقلها قريبا
قلم وردة، تذكار كوفن جاردن، أود لو أكتب به الكثير من الحكايا
 مفرش غزلته الصديقة يصاحبني أينما أقيم
لوحة بيكاسو لإمرأة تنظر في المرأة لم أعلقها
لأنني أقطن منزلا وليس بيتا
كم كان لا وعيي صادقا حين ألزمني أن أنتقل بأخف المتاع؟
فهل يكون المكان الجديد بيتا؟

الأحد، أكتوبر 07، 2018

سبتمبر والطاقة المستنزفة

سبتمبر يغير قوانين الفيزياء
ففيه الطاقة تنفد
وإن كانت لا تستحدث من العدم
فكأنما هنالك ثقب أسود 
يسحب الطاقة
في فجوة زمنية
ليمر الشهر كالسهم المارق
لا وقت لألتفت لذاتي
لا وقت لأدللها
سوى استجابة الله لدعائي في حوار مع صديقتي
بينما تدعوني القريبة لخطف يومين في جوار البحر
أعود بعيدها بطاقة جديدة ليتمم سبتمبر دورته ويستنزف طاقتي من جديد
أنظر الآن خلفي لأجد الكثير من الحكايا التي أفرغها سبتمبر في جعبتي
فهل يتسع أكتوبر لسرد الحكايا وغزل أخرى جديدة دون أي استنزاف للطاقة؟

الأربعاء، أغسطس 22، 2018

أغسطس والتحديق في العيون

-1-
يبدأ أغسطس بالمساحات الآمنة،
حدقي في عينيه/عينيها لبرهة
تواصلي مع عينيه / عينيها لبرهة
لا مجال للكلمات،
فقط التحديق في العيون
كطريقة بسيطة للتواصل مع غرباء
لا تجمعني بهم سوى الورشة
أحدق في أعينهم،
لا أخجل،
أقرأهم
أنفتح عليهم،
أفهمهم،
ولا أحكم عليهم،
أدمع لبرهة
ولا أقطع أبدًا التحديق في العيون

-2-
يناولني أخي الوعاء
يخبرني أن أفرغيه في آخر
ألمح المخيخ، 
فأدرك أنه لحم الرأس
أنقله في وعاء آخر،
ألمح الجوهرة،
أدير وجهي،
لا أحتمل التحديق في عين الأضحية،
لا ألم هناك،
لا استجداء،
لكنها نظرة حنان لو وزعت على هذا الكون لشملته،
فماذا لو أننا تناولنا اللحم، هل يغرقنا الحنان؟

الخميس، يوليو 05، 2018

حياة البحر

-1-
رفق / رفقة
الأمواج أذرع مفتوحة تضمني
تهدهد روحي
تطمئن قلبي
ألا تخافي ولا تحزني
فالقادم أحلى



-2-
ثقة
الشمس أحمى قليلا
الموج أشد بلا بطش
الصخور تعيق / تعانق
البحر يذكرني بالحياة وتقلبها
تحديات تأتي وتروح
والناجي من يثق في عدالة النهاية
أشرب الكثير من الملح 
لكنني لا أتراجع،
أركب الأمواج
غير هيابة
يذيب الملح وجع الماضي
وأثق أن القادم أحلى



-3-
وداعة
الشمس اليوم أحنى
لا موج يذكر
الماء أعذب
أطفو
 تحملني المياه / تتحملني دون عناء
السماء صافية
والجو رائق
أدعو الله ولا شك في الإجابة
أنا والسماء موصولة / واصلة في مرآة البحر

الأحد، يوليو 01، 2018

حكاية الجنية

متى بدأت الحكاية مع الجنية؟
هذا سؤال لا تسعفني ذاكرتي السمكة على إجابته، كل ما أعرف أننا اعتدنا التصييف في مطروح منذ طفولتنا، ارتدنا شواطئ أخرى بالطبع كفايد، رأس البر، برج العرب على سبيل المثال، لكن جنية مطروح ظلت تدعونا كل حين لزيارتها، وهكذا عدنا هذا العام لتلبية ندائها، قضيت أغلب يومي الأول نائمة، كما لو كنت أتخلى عن كل إرهاق القاهرة وضيق طنطا، في اليوم الثاني، قضيت أغلب الوقت في صحبة البحر لحتى اكتسب وجهي حمرة طبيعية، وكذا يدي، وبت أعيد على نفسي أنني سأعود للمدينتين اللتين تركتهما بوجه جديد، وجه لفحته الشمس وأكسبته شيئا من صفاتها: الوهج، ربما أفلسف الأمر أكثر من اللازم، ولكن هكذا أحب أن أفكر، أن أغزل من أصغر الأشياء معان أضفيها على حياتي، فالوجه الجديد يناسب الوظيفة التي أوشك على بدئها وعلى البداية الجديدة، تمامًا كما فعلت قبيل عودتي من أمريكا، حين صبغت شعري للمرة الأولى في حياتي بخصل خضراء، مدعية أنني أعطي نفسي دفعة جديدة (Head Start)، وقد كان، ومنذ شهرين حين اقتنيت العوينات الجديدة، اخترتها واسعة ومبهجة لكي أرى العالم من منظور جديد، وقد كان، تذكرني لفحة الشمس بذكرى بعينها من الطفولة هنا بمطروح، لا أبرح البحر في أول أيام المصيف، تحرقني الشمس ولا أبالي حتى اليوم الثاني، أستيقظ وعيوني وارمة لحتى لا أستطيع فتحها، نعود الطبيب الذي ينبئنا أن لدي حساسية من الشمس، وأن الحل الوحيد ألا أرى الشمس بتاتًا ولا أسبح في البحر اللهم إلا ساعة واحدة قبيل الغروب، وأوصاني بإرتداء عوينات حاجبة للشمس، وكنت لم أتجاوز العاشرة بعد، وربما لهذا السبب لم أرتد هذا النوع من العوينات إلا منذ سنوات قريبة، وأوصاني أيضا بقطرة، وكانت أول مرة في حياتي أضطر لاستخدامها، وكنت أخشى دخول القطرة في عيوني، هذا ناهيك عن أني عيوني لم تكن تفتح أساسًا، كنت أتعذب وقتها، فالجميع يستمتعون بالبحر ولا أحظى منه سوى بساعة واحدة، وهي أشدها زحامًا، اليوم كان مختلفًا جدًا، هو شاطئ مختلف عن شاطئ الطفولة، المياه ضحلة جدًا، ظللت أسير قرابة عشر دقائق ولم تتخط المياه كتفي، ونظرًا لطولي فإن هذا لو تعلمون عظيم، لأول مرة أشعر بأنني أوغلت في البحر دون أوغل، شعرت بانتصار ما، ليس على مهارة عندي، شعرت بالأمان، فالمياه هنا أقرب للبحيرة منها للبحر، صافية، ضحلة، مالحة، لكنها ليست كبحيرة أونتاريو، لم أسبح في أونتاريو، تلك الشبيهة ببحر الإسكندرية، كلما عدتها، تذكرت الإسكندرية وشعرت أنني في وطني، أنا الآن هنا في وطني، أقضى إجازة قصيرة محببة مع العائلة، تخبرني أمي أنني أسبح كالكلاب، أبتسم، فهذا ما كنت أقوله في الغربة إذا سألني أحدهم إن كنت أسبح، وقد كان حين ذهبت للتجديف، أتذكر سيلفا، كنا تكلمنا عن الأمر، في أول مرة أجدف فيها في حياتي، كنا على ذات القارب، بينما براء وزين على القارب الآخر، نحاول ضبط إيقاعنا واتجاهنا، كم ضحك منا براء وزين، وكيف لا وقد كنا نتحرك بعشوائية شديدة، أبتسم لأمي بينما كل ذلك يجول بخاطري، وأدرك لوهلة أنني تصالحت أخيرًا مع الكلاب، لم أعد أهابها كما في الماضي، هل استخدام تشبيه سباحتي بهم سبب في ذلك أم تعاملي معهم مؤخرا؟ لا أدري وليس هذا مهما، المهم أنني متصالحة مع تلك الكائنات اللطيفة. 

والبحر يحب المزاح، وأخي يحب المزاح، ولا يتفوه بشيء إلا على سبيل السخرية، يقول لي: كم أفسد البشر البحر بتلك الألعاب المائية والموسيقى العجيبة، أضحك منه، لأن حرفيًا الشاطئ لنا وحدنا، لا أحد سوى من الناحية الأخرى البعيدة، يقول لي مازحًا: يستاهلوا السيسي، أفكر برهة قبيل أن أدندن: مايستهلوشي، ونضحك، أخبره أنني أشعر بخفة في المياه، كما لو كانت المياه قد حملت كل ثقل جسدي، كل هواجسي، كل مخاوفي، أدرك كم تغيرت كثيرًا، لا أهاب البحر، لا أهاب الكثير من الكائنات:الكلاب والقطط كأمثلة، لا أهاب البشر، لا أهاب الوحدة، وأستمتع بالحياة.
والآن أتساءل كيف تكتمل حكاية الجنية؟

الأحد، يونيو 17، 2018

أضغاث أحلام 6

أجري وألتفت ورائي كي ألمح الخاطف، لا أراه، لكنني أرى السيارة الصفراء مسرعة، وهو يزمجر في غضب لهربي، أو ربما لأنني دفعته وأنا أهرب قائلة: لن تستطيع اللحاق بي بسبب سنك، أجري وأجد سيارة واحدة في الشارع الهادئ، أستنجد سائقها أن يوصلني للمنزل، فأنا مخطوفة، أستريب منه، وأكمل الهرب، لا ألمح السيارة الخاطفة خلفي. أستيقظ لاهثة ومنزعجة، قلبي يتملكه الخوف، أحاول تهدئتي، أتذكر أنني في الحلم/الكابوس كنت في الثانوية العامة، ذاهبة إلي درس الأحياء، ومعي زميلتان، والخاطف سائق يوصلنا، رجل عجوز نأمنه ونعرفه، وأنا الوحيدة التي تركت أغراضي في السيارة،  وقررت الهرب بينما هو يشرب سيجارة وينتظر أمرا ما، تقفز الأسئلة في رأسي: من هو الرجل العجوز؟ ومن الزميلتان؟ ولماذا لم تهربان؟ ولماذا يتملك الخوف نياط قلبي منذ أمس؟ 
 أحاول تهدئتي بينما أحتسي الشاي بلبن، وأغني: أغنية الخطف الشهيرة لحماقي من فيلم جعلتني مجرما، لا أجد الأمر مضحكا، فوعيي يخبرني أنني لو حدث وخطفت وغنيت الأغنية فأنا مصابة بمتلازمة ستوكهولم. 

أنا أخاف أحلامي أن تتحقق!

الثلاثاء، أبريل 03، 2018

The lobster

لسبب غير مفهوم، لم أرد أن أغادر المنزل أمس، وحتى ترتيب العمل الوحيد تأجل، كنت على أهبة الاستعداد للخروج ومواجهة العالم، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، أقرر أن آخذ قيلولة حتى ولو تخطى الوقت العصر، أغفو وحين أستيقظ تعلن نتيجة الانتخابات، أعرف أنني لا أريد أن أتابع، أقرر أنني سأقرأ شيئا ما حتى يصل أهلي،لا أملك في القاهرة تشكيلة كبيرة من الكتب لأحتار:
 لا لن أكمل الآن الكتاب الذي بدأته عن الفقر،
 ولا قصة reddit
تطل يوتوبيا على الرف وقد أهدتنيها أميرة ونسيت ذلك تماما،
أعرف أن قرائتها ستعكر مزاجي وتدخلني في نوبة اكتئاب أكيدة
أقرر في نهاية المطاف أن أكمل الكتاب الذي بدأته منذ عدة أيام، فالترجمة رشيقة على كل حال.
أقرأ فيها قليلا حتى يصل أهلي، نجلس معا قليلا قبل أن يقترح أخي أن نشاهد فيلما ما، بعد حلقة the big bang theory، 
نمر على لائحة الأفلام على جهازه، يسألني: ما اسم الفيلم الذي أردتي مشاهدته؟ أشير على The lobster
أسأله هل تعرف ما هو؟ انه السلطعون، أشهر أطعمة بوسطن، لم أتناوله هناك، فلم نكن جوعى حين مررنا بسوق كوينسي،
لا أعرف القصة، ولم أشاهد إعلان الفيلم، لكن أميرة رشحت لي الفيلم بعد أن أهدتني الكتاب في آخر لقاء لنا بالقاهرة، كنا في المترو حين فعلت، أذكر جيدا ما قالته، رشحت الفيلم لأنه مختلف، ولأنها تعرف أنني أحب الأفلام التي تطرح فكرة جديدة أو تسائلا، مع بداية مشاهدتي الفيلم، قررت أنني سأخبرها أنني أفعل، أتصل بالانترنت، لأجدها تسبقني برسالة تنعى فيها أحمد خالد توفيق، لا أصدق ولا أخبرها عن الفيلم حتى أتأكد، فالخبر ذاع، أخبرها عن الفيلم، وأتابعه بمرارة، يخبر البطل عن أنه يختار أن يكون سلطعونا في حال فشل في إيجاد شريكة له، تسأله صاحبة النزل عن السبب، يجيب ببساطة: السلطعون يعيش مديدا لحتى يبلغ مائة عام، وأنه يظل خصبا طوال فترة حياته، هذا ناهيك عن أنه من ذوات الدم الأزرق، فهو ارستقراطي وطبعا يعيش في البحر، لحظتها انبهرت باختياره كما انبهرت صاحبة النزل قائلة: اختيار موفق، فأغلب الناس يفضلون أن يكونوا كلابا، الآن وأنا أنقر هذه الكلمات أذكر الآن أنني منذ عام كتبت التالي:
ساعتها كنت ماشية مزأططة
بحضن السما
بعينين مفتوحين
وبرقص فالس مع أمواج البحر
محدش كان شايفني
ولا حتى حد كان سامع الموسيقى
اللي كنت بسمعها
يومها قررت أكون سعيدة
كنت حرة وبرفرف
يمكن الاحساس مادامش كتير
بس جايز ساعتها
كنت عصفورة
طايرة من الفرحة وبزقزق
دلوقتي أنا فاكرة كويس
إني قبلها كنت فيل
بيدب ع الأرض بقوة
مش لأنه تقيل
بس لأنه شايل هموم الكون
فوق كتافه
مش مستسلم
ومش عدواني
بس مستعد يخوض أي معركة
بس عشان يزيح هم
من همومه من فوق كتافه
وقبلها أنا كنت شجرة فل
بتزهر وتهدي وردها
لأي حد مهموم
كأن ريحة الفل سحر
يطير أي هم
روحي بتنسخ نفسها في كل لحظة شكل
بس النهاردة أنا نهر
مش عارف يجري في أي أرض
بس بيحفر طريقه
مش مهم أي اتجاه
هيمشي

طول ما على جنابه هيكبر زرع

والآن أعرف أنني لا أحب قصة الفيلم، لأنها لا تختلف كثيرا عن يوتوبيا، هي قصة عن الديستوبيا، ديستوبيا من نوع آخر، حيث لا يكون مسموحا لأحد أن يعيش وحيدا، ومن يفعل يتحول إلي حيوان من اختياره، فالفرضية أن في عالم الحيوان، لا حيوان يعيش وحيدا، أما المتمردون فيعيشون فراداى ويمتنع عليهم الارتباط، فهم يعيشون في ديستوبيا من نوع آخر، والمفارقة أن الجميع يتعاملون مع حالتهم أنها يوتوبيا مثالية، ومن يقرر أن يعيش بشكل مختلف يعاقب من الجماعة التي يعيش وسطها، الآن كمثلي تدركون سخرية الموقف الذي أدركته حين ذهبت للنوم، لقد هربت من قراءة يوتوبيا إلى مشاهدة ذا لوبستر، لكن ما آلمني حقا، أنني خذلت صاحب يوتوبيا ربما في لحظة كان علي أن أتمسك به أكثر، ربما لو كنت قرأت الكتاب للمرة الثانية لكان تمسك بالحياة لفترة إضافية، فكرة ساذجة، أعرف، وربما تغمغمون الآن: يا لها من فكرة مجنونة، لكن أرى الآن الاحتمال قائما، ربما لو كنت قرأت شيئا من الكتاب، لكنت فكرت في إحدى التفاصيل، وأردت إجابة ما عليه، وربما أيضا اتصلت معه بالتليباثي، ولو أنني ذكية كما أدعي، لكان السؤال سيكون وجيها ليجعله يتمسك بالحياة أطول، لا ليجيب سؤالي التافه، بل ليغمرني بلطفه ووداعته بإجابة بسيطة وربما بدعابة بسيطة يمسح كل الضيق الذي يعتريني، وإن كانت المزحة سوداوية، لكن لربما أنا خذلته قبل ذلك بكثير، حين لم أكتب حتى مسودة البريد الالكتروني التي تحمل عنوانه، تلك التي تكمن في صندوقي منذ سنوات، تحديدا منذ صدور كتابي مع صديقتي: صباح ومسا. لم أرد أن أسعى ل validation،و لا أعرف كيف أترجم هذه الكلمة، منه، لذلك لم أرسل لا الكتاب ولا الرسالة. أنا لا أحمل نفسي فوق طاقتها، لكن ربما ألومني على عدم اتصالي بأكثر الأشخاص وداعة وحنكة، ربما هو الندم.

ورغم كل هذا لا يمكنني أن أغفل كل الرمزية التي تحوم حول رحيله، أن يتوفى في ذكرى توقف قلبه الأولى عن العمل، مؤكدا فرضية السيزيفية التي أؤمن بشكل كبير بصحتها، وهي أن أحداث حياتنا تتكرر وتتناسخ، ونخضع لذات التجارب والخبرات بطريقة أو بأخرى وربما نعيش نفس النسخة من القصة ما لم نسع جاهدين لتغيير كيف نتفاعل مع ما يحدث، الرؤية الآن أوضح لي. ونعم، يمكننا النظر للموقف برمته برومانسية شديدة: هو لم يحتمل المزيد من الهراء في هذا العالم، فتوقف قلبه عن العمل ورحل، بكل هذه البساطة. لكن ستبقى ذكراه، وما يمثله خالدًا كاسمه الذي له منه أكثر من نصيب!