اليوم كان أول أيام امتحاناتي ولم يكن يقلقني من الأمس سوى هاجس وحيد أوحد أن أستيقظ متأخرًا ويفوتني القطار، أما وقد استيقظت مبكرًا ونشطة، وأنهيت طقوسي الصباحية مبكرًا بل ووصلت إلى محطة القطار قبل موعده بنصف ساعة وهذه سابقة من نوعها، وبينما أنا أترجل من سيارة الأجرة أمام المحطة كلن هنالك مكروباص ينادي "واحد مصر" ابتسمت داخلي وقلت ، لا لست أنا انا سأستقل القطار،والحقيقة أنني منذ حادث السيارة الذي تعرضنا له منذ شهر تقريبًا عند بنها وأنا أتجنب تمامًا الطريق الزراعي وانتظرت هذا الوقت أقرأ بالرواية التي ترددت في أمسي بينها وبين أخرى عن ذات الموضوع حتى استقررت عليها، وحان موعد القطار وأعلنت الاذاعة أن القطار سيتأخر ساعة إلا ربع كاملة ، وهذه كارثة بكل المقاييس، لأن هذا يعني تأخري جدًا عن الموعد !والحقيقة أنني في العام الماضي كنت أستقل قطارًا يسبق قطاري هذا بساعة إلا ربع أيضًا وكنت أصل مبكرًا جدًا للجامعة مما يوترني وأنا أصلًا كنت حينها في حالة يرثى لها، فلم أحب أن اكرر مأساة العام الماضي، وهكذا قررت لحظتها أنني سأعيد التذكرة وأدبر أمري، لكن الموظف يخبرني أن عليّ العودة إلى ناظر القطار، والذي أخبرني بدوره أنه لا يمكن إعادة التذكرة إلا إذا تأخر القطار ساعة كاملة عن موعده، وبالطبع أنا لن أضيع هذا الوقت كله في الانتظار!، فثرت عليه وماذنبي؟ انا عندي امتحان!، والحقيقة أن هذه ليست أول ولا آخر مرة يتأخر فيها قطار، هذا تاريخ كبير وعريق يصونه القائمون على الأمر، لكن هذه المرة شعرت انه لا، لابد أن أعترض!، ولو كان هذا سيعطلني قليلًا خاصة وأنني كثيرًا ما تجاهلت ثمن فرق التكييف الذي أدفعه، المهم اتصل أحدهم بالقطار وأبلغ ناظر المحطة أنه سيمر على إيتاي أولا احتاجوه هناك!، وأن عليهم أن يعلنوا أن وقت الوصول غير معلوم، حرر لي ما يفيد السماح بإعادة التذكرة، وعدت للشباك أعدتها بينما أحدهم كان يريد شرائها مني، وانطلقت لأجد أمام المحطة ميكروباص آخر للقاهرة وان استغرق الأمر دقائق لينطلق في تمام الثامنة والنصف، وفي أحسن الأحوال لو أن الطريق جيد سأصل القاهرة في العاشرة لأكون في الجامعة العاشرة والنصف!، لكن بالطبع الطريق الزراعي الشهير بزحامه صباح مساء لم يسعفني ، وكنت أخبرت زميلة لي بأمر تأخري وأن تعتذر عني إلى أن أصل، وأبلغتني أنهم سيسمحون لي بالامتحان حتى الحادية عشرة!، لكن أعلن موبايلي العاشرة والثلث ولازلت عند قليوب! والقطار الذي كنت سأستقله مارًا على قضيبه مستفزًا لي، الحقيقة أني كنت أقرأ في الرواية وأطلع على الساعة ، حتى وصلنا إلى المؤسسة تمام الحاية عشرة، والزحام فوق الوصف!، ترجلت من المكروباص وعدوت وسط السيارات إلى نفق المترو الذي كنت حضرت تذكرته والتي كانت إضافية ومعي منذ آخر مرة ارتدت فيها القاهرة، لأقفز على السلالم، حنى أصل وباب المترو المغلق يتحداني، لأتمتم داخلي، لاأمل لي في الوصول، وبينما ألتفت وجدت الباب فتح ثانية، وفي لحظة قفزت داخله، وفي الطريق حضرت أقلامي وكل ما أحتاجه للامتحان وما كان ينقصني سوى الوصول، تذكرت الجملة التي دومًا أرددها باسمة إذا تأخر أحدهم ولم يحدث ضرر من ذلك:"It's never too late!"، لكن الحقيقة التي كانت تخبرني بها شاشة الموبايل أنه تفصلني دقائق على نصف الوقت!، مما يعني عدم السماح لي بالامتحان الذي لم أصل لجامعته من الأساس، وجال بخاطري سؤال: بأي منطق أستطيع ترديد هذه العبارة لتفسي أو لغيري فيما بعد هذه اللحظة؟ ربما سأمسحها تمامًا من قاموسي، والحقيقة أن هذه الجملة وحدها تصبرني على اشياء كثيرة في حياتي، لذلك أجلت البت في أمرها إلى أن ينتهى يومي العجيب، وداهمني خاطر آخر أن هذا الموعد كان دومًا هو الموعد الذي أكون انتهيت فيه من الاجابة ومنظرة بفارغ الصبر السماح لي بمغادرة اللجنة، لكنني لم أكن قد وصلت بعد!كنت بالطبع واقفة أمام باب المترو منتظرة انفراجه في محطتي الموعودة لأعدو بأقصى طاقتي، ولكن جموع البشر على السلم عطلتني، فكنت أعدو قليلًا وأهرول قليلًا، ومن باب الجامعة بعد إنهاء تفتيش حقيبتي بالطبع عدوت إلى كليتي وعدوت ثلاثة أدوار إلى أن وصلت إلى لجنتي، أشهق سريعًا، كما يحدث عندما ينتاب أحدهم نوبة توتر في الأفلام!، أحسست أن هذه هي النهاية، وربما تبدد اليأس إلي حينما رأيت زميلي هابطًا الدرج متعجبًا بينما أنا أكمل السلالم وهذا كان يعني أنهم سيرفضون امتحاني لأن زميلي قد غادر ومن الممكن أن يكون قد سرب إلى الامتحان! هذه الفرة بحد ذاتها كانت اليأس الأكبر إلى أن وجدت د محمود المسئول عن الكنترول يذكر اسمي وأنا على باب اللجنة، كان يتأكد إن كنت حضرت في ذات اللحظة التي، أخبرته أنني وصلت، ونصحني أن أستريح إلى أن يحضروا لي ورقة اسئلة واجابة، وسأل إن كان غادر أحد اللجنة، لكن أحدًا من المراقبين ولا من زملائي قد رد، وأنا أصلًا كنت خارج المشهد أحاول استعادة أنفاسي، واشرب شيئًا من الماء، ووافني الدكتور إلى حيث أجلس سائلًا لي:جيتي منين؟وحكيت له سريعًا قال :انتي الصيدلانية قلت نعم، قال :ماتشربيش ميه دلوقتي!، ربما هذه العبارة أعادت لي تركيزي، فبالفعل يفضل أن تهدأ أعضائي وتنفسي قبل ان أشرب، ووافني المراقب بورقة الأسئلة، وقال: خدي نفسك واستريحي الأول، وكذا فعلت إلى أن وافاني بورقة الاجابة التي لا أعرف كيف كتبت فيها بهذه السرعة، وانا أحل أسئلة النحو بين الاستخراج والاعراب وذكر الأحكام والأسباب! لأدرك في نهاية الامتحان أحطاء عدة صوبتها بالكشط، وأدرك بعد أن غادرت اللجنة في نفس الوقت الذي غادر فيه زملائي الذين حضروا في موعدهم أنني لم أستخدم القلم الجديد الذي ابتعته أمس لأجل الامتحان ذلك الذي يمكن محو كتابته بممحاة مرافقة له، دون الحاجة لمصحح الأخطاء أو الكشط بما يحاكي فكرة القلم الرصاص!
وبعد مراجعة سريعة مع زملائي أكتشف أن أستاذنا سيخيب ظنه فينا كثيرًا،لأنني في مواضع عدة كشطت الاجابة الصحيحة واستبدلتها بأخرى ليس لشئ سوى قلقًا من أن يكون تأخري قد أثر على تركيزي!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق