أستيقظ وبقايا الحلم العجيب بأجفاني، كنت في
نوبتجية مسائية بالعمل تشاركني زميلتي التي هاتفتني صباحًا -لكنني لم أرد عليها
حين أحضرت لي أمي هاتفي الصاخب إلى سريري، لألقي نظرة سريعة عليه ولا أقوى على
حديثها ولا على الاستيقاظ والذهاب للعمل- رأيتنا معًا في مكان عمل آخر لم أزره
حقيقة سوى من الخارج، وأحضرت كرسيًا وجلسنا نتسامر، وما قطع سمرنا سوى قوة عسكرية
تفتش المكان، جنود هنا وهناك، ثم أشار قائدهم بسلاح يدوي ما مخبأ في المخزن إليّ
متوعدًا:"ماذا يفعل هذا هنا؟! أنتِ المسئولة، وإليكِ يُوجه الاتهام!"،
أصرخ فيه: "وما ذنبي؟ استلمت العمل للتو، ولاأعرف شيئًا عن هذا!"، يمضي
وجنوده ملوحًا بأن: "لا شأن له بكل هذا، وسأدفع الثمن!" ،تجلس زميلتي
وأخرى لا أعرفها تعمل بالمكان على أريكة وفي برود يحاولن تهدئة ثورتي الباكية
بأنهن سيشهدن معي/ يزدحم المكان بخلقٍ كثيرٍ لا أعرفهم من كل الفئات والجهات،
وكأنما يستبيحون المكان الذي هو في عهدتي وكأنني لست هناك، أتر الجالستين مكانهما،
وأصرخ في الجميع "أخرجوا من هنا!" وأغلق الأبواب، ولاأعرف كيف اتسع المكان فجأة وغصّ بالخلق، ولا
يجدي معهم صراخي وطردي، أبحث عن أي مسئول أمني يساعدني في طرد الجميع، أترك مكاني
وأبحث، لأجد على مكتبٍ في ردهة ما من يجلس باديًا عليه أنه أكبر مسئول، أفأجئ في
يدي بكيس به متاع يعينني على وقت العمل الطويل، ولا أعرف متى ولا من أين أحضرته،
أعرف نفسي، وأنني حديثًا جئت للعمل في المكان، وقبل أن أتمّ شكواي، ينظر في ساعة يده،
معلنًا أن الساعة الرابعة والنصف وأن تأخري خطأ إداري يجب أن أعاقب عليه!
أومئ أن لا أنا هنا في موعدي تمامًا، ولكن
هنالك بشر كثير حيث أعمل أريد منك أن تطردهم!، يغمغم في برود: إذن أريني مكانك!
أدرك أنني لم أحفظ الطريق إليه لحداثة عهدي،
أصحبه متخبطة، وأفكر: ربما كل هؤلاء البشر سارقون، وربما القائد العسكري قائدهم،
وقد احتال عليّ فقط ليربكني ويتيح لهم الفرصة بحمل ما يرومون!
أنعى سذاجتي وأعرف أنني ويلًا أذوق، لاأصل
إلى مكاني، والابتسامة الساخرة على شفتي من يصحبني.
أستيقظ لامبالية وشاردة، أحضر القهوة
الفرنسية وأتركها إلى أن تفور، أغمغم في ذاتي: " قهوتي فارت وانا سارحة في الملكوت
وصوت ال "تش" فوقني من الكابوس"
أرتشف قهوتي بينما أتفقد الأصدقاء، أتقافز من
صفحة الكترونية إلى أخرى، لارغبة لي في أي شئ، أريد دافعًا ما، أتذكر كتاب الرسائل
الذي بدأته في أمسي، مخصصة رسالة في كل يوم، ليس لشئ سوى لتجنب الشعور بالندم على
وقت كان من المفروض أن أخصصه لمذاكرتي، ولكن من يندم على قراءة اي كتاب على كل
حال، تهاتفني أمي لتسألني ما أفعل وتكلفني ببعض الأمور، أكمل قراءة رسالة يومي،
وحين أنهيها أعود للتقافز بين الصفحات الالكترونية التي لا تنتهي، إلى أن ينتابني
الصداع المعتاد في تلك الحالة، ولم يحن بعد موعد إعادة الفيلم الذي جذب انتباهي
أمس ولم أكمله لأن النوم سبقه في غزو حواسي، أغلق التلفاز، وأترك الحاسوب، وأحاول
البدء في المهام التي كلفت بها، بدأت بالأيسر، البسبوسة التي سأعدها احتفاء بأخي
العائد اليوم في إجازة قصيرة، والشربات يجهز أولًا: كوبان من السكر وكوب من الماء
وليس كوب ونصف من كل منهما كما فعلتِ في المرة السابقة ليجهز بسرعة، على حد قول
أمي في مهاتفتها، أفرغ كيس البسبوسة وأضع عليها كوبًا من الزبادي، يرن جرس الباب،
كان من الممكن أن أفتح الباب دون أن أطل من العين السحرية كما فعلت أمس مع أبي
المنتظر، لكنني تمتعت بحكمة ما وأطللت لأجد شخصًا غريبًا متكًأ على الدرج، ظننته
محصل ما للكهرباء أو غيرها، ترددت هل أفتح له أم أتجاهل الأمر وكأنني لست هنا والمنزل
فارغ، وفي لحظة لبست الخمار وفتحت الباب، دون أن أسأله من هو وما يحمل، حتى أنني
فكرت لوهلة أنني ربما سأغلق الباب لحظة إحضار النقود أو سأفعل كما كان حين كنت في
الصف الأول الثانوي حين جاء من يحمل جوابًا مسجلًا لأمي ووجب عليّ استلامه
والتوقيع بذلك، فأمليت على المنوط بالأمر أن يترك الجواب على الدرج وكذا ما يتوجب
عليّ توقيعه دون أن أفتح الباب بالطبع ويهبط الدرج إلى الدور السفلي، وانتظرت
إختفاءه عن ناظري وفتحت ووقعت وأخبرته أنني انتهيت، لم أفعل كل ذلك الآن، ببساطة قال أنه يحضر جوابًا لي، وسألني
إن كنت داليا، أجبته بأن نعم وعيناي على الظرف بين يديه وأيضًا إصبع الصمغ الذي كان
يحاول أن يلصق به المظروف المفتوح، وقال أنه سيغلقه، بينما قلت لا تتعب نفسك
سأفتحه على كل حال، ووقعت له باسمي الثلاثي كما طلب، وسألته:شئ آخر؟!
قال:لا وسلمي لي على العميد ياسر، لم أنتبه
للجملة ولا الظرف المفتوح ولا أي شئ من هذا، فأنا عرفت الخط على المظروف وودت لو
رحل لأتمتع بهديتي، وقد كان لأنني وببساطة كنت قد نسيت أمرها ورغم إخبار صاحبتها
لي بأنها أرسلتها بالفعل، ورغم إخباري أبي وأمي بالأمر حتى لا يتعجبوا الأمر في
غيابي، لكنني أستلم الهدية بنفسي وفي توقيت كنت في أشد حاجة إليها، وكأن الصداع
محي تمامًا، وكأنني برأت من كل ضيق، وبينما أرفع الصور التي التقطها للهدية شاكرة
صاحبتها تذكرت ما كنت أجهز من البسبوسة، وكنت نسيت أمر الشربات الذي جهز على النار
وكاد يحترق كعادتي في النسيان، أكمل الخطوات وذهني مشغول بفكرة واحدة لماذا كان
الظرف مفتوحًا؟ ، أتفقد الصور مرة أخرى، لأعرف أن صديقًا استلم هديته هو أيضًا،
وهو يسكن في ذات المنطقة، سألته عن ظرفه، ذكر أنه فتحه بمعرفته، لترن جملة من
سلمني إياه مرارًا في أذني، وباعتمال نظرية المؤامرة أشرد أثناء اتمامي أمر البسبوسة
وأنتبه أنني لم أضف شيئًا من السمن إليها كما أوصتني أمي، لأدرك أن شرودي في أشياء كثيرة هو سبب أساسي لعدم نجاح ما أجهز تمامًا، أحضر السمن وأضيفه بينما لازال
يمكنني ذلك!، أفكر أن جملته المودعة ربما تكون مفسرًا جيدًا للغز، هي إجراءات أمن
إذن؟ بريدنا مُراقب!، وأين خصويتي وحريتي؟ أين كل هذا؟
ثم أي تهديد تشكله مثلي على أية حال؟ فأنا لا
أتجاوز غالبًا مساحة الأفكار للفعل؟ ثم ماذا لو تجاوزتها؟ ما المشكلة؟
أضع الصينية بالفرن بينما أغلي ولا يهدأني
سوى بهاء الكلمات على الورق.