عزيزي نيكوس:
لم يمر شهر على رسالتي الأخيرة لك، تلك التي أبدو فيها كانسانة متزنة وعاقلة، لكن هذا لم يعد ساريًا عليّ الآن، وانت احد أسباب ذلك أيضًا، كنت أقرأ ببطء كتابك تصوف، كان معينًا لي في خطواتي الجديدة، والآن اتراجع عن كونه سببًا مباشرًا في ما أنا ليه، أنت تعرف أن انطباع القارئ عن أي كتاب وتأثيره عليه يتفاوت بتفاوت حالته النفسية والظروف التي قراها فيها، فلنقل أنني كنت لى ما يرام تمامًا، لبنى تشهد على ذلك، ربما كان هناك مؤرقات لكنها لم تعد تكدرني وتقلقني، لكن بعد لقائي بها، بعد لحظتنا الأبدية معًا، تمنيت أن أحظى بلحظات أبدية مع شخص بعينه، لم اتصور أن تتحقق أصلًا أمنية كهذه، وهذا في حد ذاته جعلني أعرف أنني في أمان، حتى تلك البرهة التي لاأصدق أنها حدثت حتى الآن، حينها كل ما عكرني هو الشور بالاختراق، أما الآن فالأمر مختلف تمامًا، تذكر كيف قلت لك أنني خارج الحب إذا صح القول، يبدو أنني كنت أخدع نفسي، ربما توارى الشعور، ربما فقط كنت ملهاة في خطة السنوات القادمة، ربما أشياء كثيرة، ربما أيضًا شعوري اتخذ منحى مختلف، أكثر استقلالية وأقل اعتمادية، ربما يبدو كلامي غريبًا وخاليًا من التنميق، لكن الأكيد أنني من الآن سأتبع النصيحة التي تقول:
Be careful for what you wish for
أعود إلى كتابك الذي قلت فيه:
"لو انك امرأة، اتجه صوب الحب واختر بجهد وتبصر مضن من بين كل بني البشر والد أبنائك. لست انت التي تختارين وانما ذلك اللامتناهي، الذي لايتحطم ولا يعرف الرحمة، ذلك الاله الذكوري الذي بداخلك. أنجزي واجبك كاملًا.أنجزي واجبك المجتشد ."بالمرارة والعشق والشجاعة
أقرأ وأبكي ربما لأنني ومن وجهة نظري أديت واجبي كاملًا ، لم يعد في مقدوري بذل المزيد، لم أد أستطيع التغلب على مخاوفي، بل ولم يعد لدي رغبة في بذل المزيد، لأن لاشيء يتغير، وليست المشكلة في ذلك بقدر ما هي ،مسألة اللا حل، اللافهم، اللاشيء!
أعرف الآن أن كل ما يهمني الآن هو الهرب، من هذا الزمكان بكل تفاصيله المرهقة على كل المستويات، وددت لوهربت غلى زمانك مثلًا، صحيح أن الأمور لم تكن أفضل،وصحيح ان هذه ليست المرة الأولى التي أفكر فيها في الابتعاد، لكن الأمور هذه المرة أكثر جدية،لذلك وددت لو أنك جالس أمامي، كأبٍ نتحادث ونتكاشف كما لا أستطيع أن أفعل، وتفاجئني هيلين بقولها عنك
"لم نفعل أي شيء لنمن أنفسنا من الانجاب، إلا أننا لم ننجب، ربما كانت حالتنا الصحية هي السبب، لكن نيكوس اعترف لي ذات يوم بانه لو كان خلف بنتًا فانه ما كان ليستطيع أن ينام نومًا هادئًا، ولكان حاله مثل الكريتيين المتقدمين في العمر، وكان سيسأل "متى عادت؟"و "الى أين ذهبت ومع من؟" ولجز عن الكتابة لانشغال عقله بها.كان سينزعج لأسباب أخلاقية، ويتحول إلى كريتي حقيقي. لقد اعترف لي بكل هذه الأشياء التي لا تصدق."
بعد قولها ذلك لم يعد بامكاني التكهن بردة فعلك، ولا بمشورتك ليّ، لقد أصبت بخيبة أمل كبيرة، حتى في حلم صغير جدًا أن تتفهمني، وهل تعرف ما المثير للسخرية؟ ان هنالك الكثيرين من البشر يتخذونني أيقونة لصفة ما، الأمل، التفاؤل، السعي!
لو يعلمون كم هم مخطئون بحقي؟
وأكذب لو قلت أن كل ما يضايقني شخصي بحت، خلال الأسابيع الماضية كنت قد اختبرت مواقف لم اتعرض لها من قبل، وكادت كل المثل التي أؤمن بها تنهار، لكن انفراجة ما حدثت وتعدلت الأمور، لتسوء من نواحٍ أخرى، وعلى أصعدة أخرى، صحيح أنني كنت شبه معزولة عن كل ذلك الزخم، لكن هنا أيضًا مشكلة أن تشعر أنك مغيب تمامًا عن كل ما يدور حولك، ولو كان هذا باختيارك، فمن منا لم يسأم سقوط المزيد من الشهداء؟ من منا لم يسأم الفساد بأشكاله وصوره؟ من منا لم يسأم الوعود البراقة والكلمات المداهنة؟
آسفة على كتابتي لك وأنا على هذه الحالة، ولكن أعدك أنني سأصير على ما يرام، قبل لي هيلين..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق