منذ يومين كان يوم ميلاد والدتي، واحتفلنا به على طريقة الحكومة الجديدة ، أكثر من مرة وكل مرة أثناء انقطاع التيار المتكرر والممض، حتىحدث أن عاد ليلًا وقبل منتصف الليل بساعة تقريبًا، ولحظتها قررت أن أجلس في الصالون لأتم الفصل الذي لم يتسن لي إتمامه من الرواية التي أقرأها، أحضرت الرواية وهممت ان أجلس، وحال دون ذلك شعوري بأنني مراقبة، لأجده هناك واقفًا على سلك الشباك، ولم تكن تلك أول مرة أراه، فقد لمحته وكالعادة أنا أول من ألمحه، يوم زارنا أقرباء لنا، لحظتها نظرت لأمي، وفهمت من نظرتي أن أمرًا جللًا حدث، حتى جلت بنظري نحو الشباك، ولحظتها لمحه الجميع، وقالوا هو على السلك من الخارج، والحقيقة رؤيتهم جميعًا لبرص شئ معتاد، فهو يجول دومًا في شرفاتهم بالبلد، وهناك في منزلنا شعرت به في غرفتي منذ سنوات كنا في الاجازة الصيفية وكنا برمضان، ليلتها سمعت صوته، علكم تتعجبون، أللبرص صوت؟، نعم، يصدر صوتًا لا يلحظه سواي في اللحظة التي بخرج فيها لسانه لالتهام الناموس، وأعرف ذلك لأنني أراقبهم بحرص في زياراتي لخالتي، وليلتها لم يكن مكانه بحائط غرفتي مواجهًا لي، لذلك استدرت ودون العوينات وفي لحظة واحدة لمحته ودون أن أجيل رأسي في السقف ، وأحدثت جلبة أيقظتهم جميعًا، وتركت الغرفة لأنام بأخرى، رغم قتله بالفعل، ولم أقو ليلتها على السحور ولو بشربة ماء، كانت معدتي وأمعائي تتلوى صارخة من التقزز!
المهم أطلعت أمي على عودته لذات المكان وسألتها كيف التصرف؟، ببساطة اشارت علي برشه بالمبيد الحشري الموجود لدينا، وهممت أن أفعل، لكن غلبني تقززي، فناولتها العبوةوابتعدت، ورشته، لنفاجأ بقفزه، ونلمحه يزحف على البوفيه!
صرخت وقفزت، وابتعدت أكثر وأنا أقول"ده جوه!!" ، واختفى بعدها، ووقنا أنا وأمي ذاهلتين، كيف دخل ومتى؟، وأخذت أمي تتحسس السلك ربما وجدت به ثغرة ما، لكنها لم تجد شيئًا،كنت أقف أمام المروحة تمامًا وقطرات من العرق البارد تنزلق على جسدي لأقشعر متخبلة أن هذا الكائن اللزج هو من ينزلق، ظللنا نبحث عنه بأعيننا ، ولعدة دقائق لم نجده، حتى لمحته يقفز على أعلى جزء من الستارة، التي هي أفضل مكان لاختبائه عن أعيينا لتشابه ألوانها وألوانه، حركت أمي الستارة حركات سريعة وعنيفة حتى سقط أرضًا تحت المنضدة الصغيرة التي تشغل جانب الصالون، وأزاحت ما عليها من مفرش وخلافه، وأزاحتها جانبًا، وأكملت رشه بالمبيد، إلى أن اختفى تمامًا تحت البوفيه، المستحيل على اثنتينا تحريكه!
وهكذا بلغنا منتصف الليل ونحن واقفتان في انتظار ظهوره بمكان ما! وحين يأسنا أحضرت أدوات التنظيف وحاولنا بها ايجاده دون جدوى، لنجلس على الأريكة التي أزحناها أيضًا حتى لا يختبأ بها ويتعثر علينا رؤياه من قماشها المزركش، أنا أتم الصفحات الباقية في قلق، وأمي تنهمك بأمر ما على جهازها، حتى مللنا وجاء أبي بعد أن استدعيناه، وكالعادة وبخني على خوفي من كائن تافه كالبرص، ويقطع كلامنا انقطاع التيار وفقدان الأمل في ايجاده، لأستسلم ليلتها لنوم متقطع وأحلام سيئة، واستيقظت أكثر من مرة وأنا أتحسس السرير لأتأكد من أن لا شئ عليه، حتى جاء الصباح وشعرت بصداع يؤرقني،لدرجة استحال معها أن أصوم اليوم كما انتويت حتى بو لم أتسحر ،وقررت أن الحل هو فنجان قهوة يطرح الصداع والقلق بعيدًا عن ذهني، ونسيت الأمر تمامًا طوال اليوم، اللهم إلا كاما جلست على المائدة حيث حاسوبي وبجوارها ستارة أخرى كالأولى ، يمكنه الاختباء فيها، كنت أجلس وأفتشها جيدًا قبل الاندماج في أي أمر، وانتهي اليوم الثاني أيضًا دون ظهوره، ودون شعور مني بأنه موجود، واليوم الجمعة نمت قليلًا وقت الظهيرة، وحين استيقظت ، بشرتني أمي أنه أثناء نومي، أزاحت كل الأثاث ونظفت، لتجد شيئًا أسفل الكرسي المجاور للكرسي الذي أجلس عليه ، ولم تتعرف عليه سوى بعد استفتاء نظاراتها الثلاثة، كنت جثته ترقد تمامًا جواري، منذ متى لا نعرف تحديدًا، وأزالتها، وأدركت لم كنت أشعر بارتياح هذا الصباح، وبعد مضي بعض من الوقت سألتها: تظنين كيف مات؟
اندهشت وقالت: لازلت تفكرين في الأمر من حينها؟، غمغمت :نعم! أحب ان أعرف كيف حدث الأمر..
قالت: لقد رششت عليه كمية هائلة من المبيد..
أسترجع ذكرياتي مع الكائن المقزز في شقتنا القديمة، حيث كان يحلو له الظهور لي وحدي على زجاج الحمام من الخارج كل ليلة امتحان لي وكنت طفلة صغيرة في المرحلة الابتدائية لاتعرف قلق ليلة الامتحان إلا به، لأظل مستيقظة أغلب الليل!
ويوم جبل موسى لم يكن الارتفاع وحده ما كنت أخافه، بل ما لمحت من حركة تحت قدمي هو ماجعلني أؤثر الانتظار حيث أنا ، كي لا أرتكب حماقة بدافع الفزع تودي بالأرواح، واليوم التالي لشم النسيم العام الماضي حين فاجأني اسفل الصينية التي رافقتنا في حقل زوج خالتي، لأفزع وأفزع أخي معي
ربما خوفي وفزعي منه عقدة من الطفولة، ربما..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق