-1-
تستقل سيارة الأجرة و تجلس بالمقعد الخلفى بينما توقفه سيدة ريفية لتستقل ذات السيارة ، لا تمانع فغلاء المعيشة اليوم يجعل ماركة ذات السيارة شيئا مقبولًا، تضع السيدة قفصًا فوق شبكة السيارة ، و تحضر كرتونة ما و تضعها أمامها بالكرسى الأمامى، ثم وضعت قفة على حجرها ، تطل منها راس بطة أو إوزة، ينبهها السائق أنها تكاد تغلق باب السيارة على رأسها ، لكنها لا تأبه، فيعيد تنبيهها مرارًا ، حتى أعارت انتباهًا للإوزة المدعاة، و حينما وصلت وجهتها ساعدها أحدهم فى حمل القفص، فغمغت السيدة "صباح الأخلاق" ،و داعبها السائق: "صباح الإوز"، وبعد ترجلها وجه السائق كلماته للراكبة الأولى قائلا :"ركبت بالمقعد الخلفى و تركت الإوزة لى !" ، تبسمت و لم تعلق على دعابته، فلفت انتباهها الى السيدة التى لم تك تهتم براس الإوزة و كادت تدق عنقها، و بينما ابتسمت لأنها لن تجد ردًا أبلغ ، كرر هذه القصة مرتين ، و كأنها لم تشهد ما حدث، و فى محاولة منها لتغيير مجرى الحديث ناولته ورقة مالية كبيرة على سبيل الأجرة ، فإعتذر عن قبولها لأن الساعة لم تجتز الثامنة صباحًا ، و لم يكن قد حصل عملات صغيرة بعد، فناولته ما لديها من عملات صغيرة معلقة أنها إن لم تكن كافية فعليه التصرف بشأن العملة الكبيرة ، فرد قائلا "القناعة حلوة" ،غمغمت :"القناعة كنز لا يفنى"، و حينها لاحظت الفص الأزرق بخاتمه الفضيّ المحاكى للفص الذى فى خاتمها ،و حين أوصلها جهتها و كانت محطة القطار ، جاملها قائلا "لتكن سفرية صغيرة و لتعودى" تبتسم مغمغمة "إن شاء الله"، وفى طريقها للرصيف كانت ممتنة لما حدث كبداية ليومها، إذ أوهمتها مجاملته أنها سائحة ما ترام زيارتها.
-2-
..... و بينما هى تتهيأ لمغادرة قطار العودة إلى المنزل ، رأتها تقف أمامها مباشرة، كانت تعرف هذه الملامح المألوفة من مكان ما، هو القطار، و تذكرتها، هى و لا شك "جدّة آدم" ، ترددت قليلًا قبل أن توجه الحديث لها "حضرتك جدّة آدم؟" ،غمغمت "نعم، وحضرتك؟"، "لاتعرفيننى ، كنت أجلس أمامكما فى القطار يومًا ما، كيف هو؟" "بخير ، أنا عائدة الآن من زيارتى له"، "ربنا يحرسه" و ينتهى الحوار عند هذه الكلمات، لكن حوارًا داخليًا دار بخلدها ، غبطت أنها تذكرت الجدّة، و تكرر فى وجدانها "من أنت؟"ووجدتها تحادث نفسها ، و كأن بطلة رواية سالت مؤلفها "من أنت؟" ، فما عساه يرد؟ ، تسائل نفسها ، و يراودها مثلا آخر ، هل يذكر الممثل المعتلِ خشبة المسرح ملقن حواره؟ ، هل يجوز ضرب هذا المثل من الأساس، لكن ذهنها كان مجهدًا ليجب عن كل هذه الأسئلة، فاستسلمت و ركبت سيارة أجرة للعودة للمنزل، لكنها لم تدرك أن عليها أن تدقق اختيار سائقيها فيما بعد.
-3-
يجوب بها الشوارع فى طريقها للمنزل ، و بينما هو كذلك لا تتابع شيئًا بعينه من النافذة، إذ أنهكتها تفاصيل يومها، تباغتها رائحة ما تكرهها ،تنتبه للسيجارة التى أشعلها السائق، تدرك أن الأوان قد فات لنهيه عن ذلك ، فتطلب منه بلهجة طلب أن يخرجها من نافذة السيارة ، ينفذ مرادها لوهلة، ثم يباغتها بأن تفتح هى نافذتها ، يضايقها أسلوبه ، لكنها تذعن ليس لشئ سوى إجهادها، تناوله الأجرة ، يعيد إليها ما تبقى لها ، و تلاحظ أن أخذ أكثر مما يستحق ، تتجاهل هذا الأمر معللة لذاتها "العيشة غالية" ،تكاد تصل لأقرب مكان لمنزلها و هى الوجهة التى آجرته عليها ، لكنه يوقف السيارة مباغتا إياها قائلا "هنا كفاية!" ، و كانت سئمت كل ما فعل و يفعل، فغمغمت بثقة : "لا" ، يرد "يعنى ايه؟""خد شمالك!" يرد "أنا داخل يمين" "لكننى لم أصل وجهتى بعد!" ، يذعن ، و يغمغم " أوصلك لجوه باب العمارة" ، تتجاهل تعليقه الساخر،تجد طابورًا طويلًا من السيارات ، تقرر الترجلّ ، تترك السيارة ، و دونًا عنها تصفق الباب وراءها بفعل الريح لا عن إرادتها، تسمعه يصرخ فى إتجاهها "بالراحة على نفسك شوية" ، لا تلتفت إلى الوراء ، لكنها أدركت أن سائقيها اليوم كانوا من النقيض الى النقيض تمامًا كحالتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق