لم يفاجئ أحدهن حينما قالت احداهن :"فلانة مغشى عليها "، اذ لم تكن أول مرة تفقد فيها وعيها ،كما أن قسمات وجهها صباح ذلك اليوم كانت تشى بحالتها ،أمكننى بسهولة أن ألمح الخطر قادما ،و كذا كان، فى المرات السابقة كان الجميع يلتف حولها ،يحاول افاقتها ، اما بعصير أو باستدعاء أحد الأطباء ،أو بمحاورتها فى محاولة لابقائها واعية ، أما اليوم كانوا جميعا كأنهم أعجاز نخل خاوية ، خمس دقائق من الاهتمام الزائف ، و بعدها عاد كل منهن لكرسيه ، تاركينها ممدة على أحد المقاعد الخشبية بالغرفة، يتداولن الحديث عما جد فى حياتها، عن طليقها ، عن أطفالها، لم تكن لهجتهن لهجة اهتمام بقدر ما كانت لهجة تقريظ ، تسارع معدل تنفسها ،تشنجت عضلات وجهها ،سألنها :هل تناولت أية أقراص هذه المرة؟" ، "كم عدد الأقراص التى تناولتها؟" ، وهى تجيب بصوت خافت لا يكاد يكون مسموعا، حتى تذكرت أحد ابنيها ،والذى كان فى رعاية جارتها، التى هرعت لاسعافها فور معرفتها خبر فقدان الوعى، و بينما هى مغادرة على كرسى متحرك كان باديا فى وجه الجميع أنهن لن يعززن من فقدت اهتمامها بالحياة ، أو من تستجدى الاهتمام بهذه الطريقة.
"سمعت نقطة ميه جوه المحيط بتقول لنقطة:متنزليش فى الغويط!..أخاف عليكى م الغرق..قلت أنا :ده اللى يخاف م الوعد يبقى عبيط" جاهين
الأحد، مايو 20، 2012
الأحد، مايو 06، 2012
تفاصيل
-1-
تستقل سيارة الأجرة و تجلس بالمقعد الخلفى بينما توقفه سيدة ريفية لتستقل ذات السيارة ، لا تمانع فغلاء المعيشة اليوم يجعل ماركة ذات السيارة شيئا مقبولًا، تضع السيدة قفصًا فوق شبكة السيارة ، و تحضر كرتونة ما و تضعها أمامها بالكرسى الأمامى، ثم وضعت قفة على حجرها ، تطل منها راس بطة أو إوزة، ينبهها السائق أنها تكاد تغلق باب السيارة على رأسها ، لكنها لا تأبه، فيعيد تنبيهها مرارًا ، حتى أعارت انتباهًا للإوزة المدعاة، و حينما وصلت وجهتها ساعدها أحدهم فى حمل القفص، فغمغت السيدة "صباح الأخلاق" ،و داعبها السائق: "صباح الإوز"، وبعد ترجلها وجه السائق كلماته للراكبة الأولى قائلا :"ركبت بالمقعد الخلفى و تركت الإوزة لى !" ، تبسمت و لم تعلق على دعابته، فلفت انتباهها الى السيدة التى لم تك تهتم براس الإوزة و كادت تدق عنقها، و بينما ابتسمت لأنها لن تجد ردًا أبلغ ، كرر هذه القصة مرتين ، و كأنها لم تشهد ما حدث، و فى محاولة منها لتغيير مجرى الحديث ناولته ورقة مالية كبيرة على سبيل الأجرة ، فإعتذر عن قبولها لأن الساعة لم تجتز الثامنة صباحًا ، و لم يكن قد حصل عملات صغيرة بعد، فناولته ما لديها من عملات صغيرة معلقة أنها إن لم تكن كافية فعليه التصرف بشأن العملة الكبيرة ، فرد قائلا "القناعة حلوة" ،غمغمت :"القناعة كنز لا يفنى"، و حينها لاحظت الفص الأزرق بخاتمه الفضيّ المحاكى للفص الذى فى خاتمها ،و حين أوصلها جهتها و كانت محطة القطار ، جاملها قائلا "لتكن سفرية صغيرة و لتعودى" تبتسم مغمغمة "إن شاء الله"، وفى طريقها للرصيف كانت ممتنة لما حدث كبداية ليومها، إذ أوهمتها مجاملته أنها سائحة ما ترام زيارتها.
-2-
..... و بينما هى تتهيأ لمغادرة قطار العودة إلى المنزل ، رأتها تقف أمامها مباشرة، كانت تعرف هذه الملامح المألوفة من مكان ما، هو القطار، و تذكرتها، هى و لا شك "جدّة آدم" ، ترددت قليلًا قبل أن توجه الحديث لها "حضرتك جدّة آدم؟" ،غمغمت "نعم، وحضرتك؟"، "لاتعرفيننى ، كنت أجلس أمامكما فى القطار يومًا ما، كيف هو؟" "بخير ، أنا عائدة الآن من زيارتى له"، "ربنا يحرسه" و ينتهى الحوار عند هذه الكلمات، لكن حوارًا داخليًا دار بخلدها ، غبطت أنها تذكرت الجدّة، و تكرر فى وجدانها "من أنت؟"ووجدتها تحادث نفسها ، و كأن بطلة رواية سالت مؤلفها "من أنت؟" ، فما عساه يرد؟ ، تسائل نفسها ، و يراودها مثلا آخر ، هل يذكر الممثل المعتلِ خشبة المسرح ملقن حواره؟ ، هل يجوز ضرب هذا المثل من الأساس، لكن ذهنها كان مجهدًا ليجب عن كل هذه الأسئلة، فاستسلمت و ركبت سيارة أجرة للعودة للمنزل، لكنها لم تدرك أن عليها أن تدقق اختيار سائقيها فيما بعد.
-3-
يجوب بها الشوارع فى طريقها للمنزل ، و بينما هو كذلك لا تتابع شيئًا بعينه من النافذة، إذ أنهكتها تفاصيل يومها، تباغتها رائحة ما تكرهها ،تنتبه للسيجارة التى أشعلها السائق، تدرك أن الأوان قد فات لنهيه عن ذلك ، فتطلب منه بلهجة طلب أن يخرجها من نافذة السيارة ، ينفذ مرادها لوهلة، ثم يباغتها بأن تفتح هى نافذتها ، يضايقها أسلوبه ، لكنها تذعن ليس لشئ سوى إجهادها، تناوله الأجرة ، يعيد إليها ما تبقى لها ، و تلاحظ أن أخذ أكثر مما يستحق ، تتجاهل هذا الأمر معللة لذاتها "العيشة غالية" ،تكاد تصل لأقرب مكان لمنزلها و هى الوجهة التى آجرته عليها ، لكنه يوقف السيارة مباغتا إياها قائلا "هنا كفاية!" ، و كانت سئمت كل ما فعل و يفعل، فغمغمت بثقة : "لا" ، يرد "يعنى ايه؟""خد شمالك!" يرد "أنا داخل يمين" "لكننى لم أصل وجهتى بعد!" ، يذعن ، و يغمغم " أوصلك لجوه باب العمارة" ، تتجاهل تعليقه الساخر،تجد طابورًا طويلًا من السيارات ، تقرر الترجلّ ، تترك السيارة ، و دونًا عنها تصفق الباب وراءها بفعل الريح لا عن إرادتها، تسمعه يصرخ فى إتجاهها "بالراحة على نفسك شوية" ، لا تلتفت إلى الوراء ، لكنها أدركت أن سائقيها اليوم كانوا من النقيض الى النقيض تمامًا كحالتها.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)