لم يعد هنالك أي بديل عن الاعترافأنني مدمنة كتب، ولم تطاوعني نفسي للكتابة عن الأمر إلا الآن، هذه اللحظة التي تلت مشاهدتي لفيلم يحمل عنوان مقارب لعنوان هذه التدوينة، أنا مدمنة على الكتب، وعلى عالمها الخيالي، لا أقاوم إغراء شرائها وقرائتها، وإن كان شراء الكتب أغلب على سلوكي، أنا مدمنة على ذلك العالم الخيالي، بكل قصصه ونوادره ، بكل أخباره، بكل أفكاره ونظرياته، أنا أختبئ وراء الكتب، نعم الكتب أأمن من البشر، رغم أنها نتاج أفكارهم وتجاربهم، في صغري قضيت الكثير من الوقت في القراءة بديلًا عن اللعب، وكان اكتشافي للمكتبة التي اصطحبتنا إليها أمي في طفولتنا إكتشافًا لا يضاهى، قرضت الكثير من الكتب حينها دون أن أعرف لمن أقرأ وماذا أقرأ، كنت ألتهم الكتب، وفي سنوات لاحقة اكتشفت أنني قرأت عددًا من أعمال المنفلوطي، وأنني كنت أخجل من البكاء في المكتبة من مأساوية قصصه، ماذا لو أن أحدهم انتبه لي وأنا أبكي ماجدولين؟، هل سيفهمون أن هذا فقط تأثرًا، هل سيربتون على كتفي؟أم ينعتونني بالسذاجة ؟، هل يطلقون عليّ الأسماء؟،إذن سأحتبس دموعي وآلامي، المشكلة أنني حينماكبرت لم يختلف الأمر كثيرًا، إلا أنني أردت أجد العالم الخيالي الذي طالما عشته في عالم اليوم الواقعي، وأكذب لو قلت أنني لم أجده، لقد عشت أجمل قصة حب يمكن أن تحدث، هي أكثر خيالية من أي قصة حب خيالية تعرفونها، لكنها انتهت منذ عام، أو هكذا يبدو، لأنني لا زلت أنكر أن هذا حدث، ربما أنا بالفعل ساذجة ،ولكن ما مشكلة السذاجة على كل حال؟، ما المشكلة أن أحب أحدهم دون أن أعرف عنه أدنى شئ؟فلنقل أنني حاولت كثيرًا أن أعرف أكثر، وهذا طبع مدمني القراءة، لا يتوقفون بعد انتهاء كتاب ، بل ينتقلون إلى كتاب آخر، بحثًاعن إجابات لأسئلة تشغلهم، وربما تنهي الكتاب ولاتجد فيه الجواب الذي نشدته، وتظل طول عمرك تبحث عن الجواب ، بينما ربما لن يكون هنالك أي جواب على الإطلاق!، وربما هذا ما حدث لي، ولكن ليست القضية أنني أريد أن أعرف عنه أكثر لاشباع الفضول، بقدر ما هو للمضي قدمًا، ولايبدو أن هنالك أي أمل في هذا الاتجاه، فقط أكف عن الأسئلة، وسأحاول أن أنسى رغم زعمي أن النسيان خيانة، ورغم فشلي في كل شئ سوى في الحنين، ذلك القاتل الصامت.،وأحيانًا أفكرأن الكتب التي قرأتها في صغري هي السبب، لكنني ايضًا لا يمكن أن أبرأ ساحة الكتب التي أقرأها مؤخرًا، الأمر مربك جدًا،ربما المشكلة في أنا في الأساس، أذكر جيدًا أنني في صيف ما، صجبتني خالة لي وعرضت علي اقتناء كتاب ما، لأول وهلة اخترت "معنى الكلام"، لكنها رأت أنه كبير عليّ، واقتنته لزوجها، وكان من نصيبي" أرني الله" ، قرأته وجلة من العنوان والموضوع، كان أول قراءة لي للحكيم، فوجئت أنها قصص فصيرة وممتعة، لكن يجب الحديث عنها بحرص شديد، ولكن تلاشى هذا الحرص في المكتبة حبث كانت ندوة، وسأل المحاورعن "الحظ"، فأجبت بما كلن قاله الحكيم في كتابه، وبخني المحاضر، وربما كانت هذه آخر مرة ذهبت فيها لهذه المكتبة،وبدات أقرأ أكثر في المنزل، كل ما تقع عليه يداي، واستعرت من خالتي الأخرى الكثير من الكتب، أولها كان لأنيس منصور، الخالدون مئة أعظمهم محمد، ربما لأثبت لنفسي أنني لست صغيرة على الكتاب الآخر الذي قرأته بعدها بسنوات كثيرة وعرفت أنني لم أكن مخطئة في رغبتي في قرائته حينها، إلا أنني لازلت لا أفهم معنى الكلام.
هذه بداية قصتي مع الإدمان، تلك التي لا تنتهي، وآخر فصولها أمس في رحلتي القاهرية التي ظفرت فيها بالكثير من الكتب، أولها وأهمها الرواية التي بحثت عنها كثيرًا ولم أجدها،وكيف خصلت عليها هي قصة طريفة، كتبت صديقة لي في العالم الافتراضي اقتباسًا منها، لا أعرف سوى أنني نقرت لها :"قولي انها ورقية"، فأكدت ذلك، سألتها عن كيفية الحصول عليها ، فدلتني على صديق لها، ترددت كثيرًا قبل أن أطلبها منه ، لكنه عقد معي صفقة الكتاب مقابل نوع وكمية بعينها من الشيكولاتة لا وجود لها عل الاطلاق، ورغم بديهية أنه لا وجود لشيكوتة كادبري دارك، إلا أنني بحثت عنها ،وانتهى الأمر بأن أدركت إما أن هذا الشخص لا يعرف شيئًا عن الشيكولاتة، أو أنه يريد أن يعجزني، لذلك أتممت الصفقة بأنواع عدة مختلفة من الشيكولاتة التي ربما تعذبه الآن من مرارتها، وحين أعطيته إياها، ذهل وأدرك أنني لم أفهم دعابته التي على شاكلة "لبن الغصفور" المهم أطلعني على نسختين منها لأختار، لم أتردد، قلت أي واحدة، ووصل المترو فرحلت، وآه من الطمع البشري، بعد رحيلي أدركت أنني حمقاء لأنني لم آخذ النسخة الثانية أيضًا، لكن سعادة حصولي على الرواية كانت أقوى.
ولا لم ينته يومي أمس مع الكتب عند هذا الحد، ففي الجامعة أخبرنا أستاذنا الذي قابلناه لأول مرة أن المنهج سيكون، قصيدة شعرية ومسرحية ورواية، وعلينا أن نطلع عليها جميعًا تباعًا ونناقشها، فكان علي إقتنائها ، فلم أتردد في الذهاب لسور الأزبكية،وهناك كانت رحلتي ثرية جدًا، ففي ثان محل دلفت إليه، كان البائع كبير السن، وعندما عرف ما أريد أخذ يبحث في الكتب التي صنفها من قبل ولم يجد طلبي، لكنه حاورني، ذلك أن محمد عبدالحليم عبدالله لم ينل من الشهرة ما ناله منها أقرانه، وعرض علي "الباحث عن الحقيقة"، وكنت قرأتها من سنوات وأخبرته أنها عن سلمان الفارسي، سألني عن الوشاح الأبيض، وكنت قرأتها أيضًا، سألني عن السباعي، وكنت قرأت له كثيرًا، وعن جرجي زيدان، وكنت قرأت له واحدة من سلسلته في الأدب العربي، فقال: خذي كلامه بحذر شديد،يقولون أنه يدس السم في العسل خاصة في رواية هارون الرشيد"، قلت أنني لم أقرأ سوى "فتح الأندلس" وكان هذا منذ سنوات قليلة عندما قرأت "ُثلاثية غرناظة" وأتبعتها بقراءات ذات صلة، فقال : فيها يقول أن العرب فتحوا الأندلس بحد السيف، وسألني عن دراستي، فأجبته بتحفظ عن الأمر، لأنني مشيت في هذا الاتجاه دون أدري لماذا، لم يكن هنالك سبب سوى المتعة، فهم من كان معه أنني أتعالى ، فقال:هو مش مجرد بياع كتب، ده معاه دكتوراه"،فرد البائع:"آه هي صحيح في الجغرافيا بس أنا مبسوط هنا أكتر ، بقرا زي ما أنا عايز، العالم بره بقى قبيح زي ما انتي شايفة" ، وأعطاني رقمه ليجهز لي ما أشاء فيما بعد، وفي المحل التالي له تمامًا وجدت المسرحية، بينما بحثت كثيرًا عن الرواية المقررة، وأثناء ذلك تحادثت مع بائع آخر لا يقل عن الأول جمالًا، سألني عما أريد ، وقال ابحثي على هذا الرف، فلم أجد بغيتي، فأراني كومة وقال ابحثي فيها، وجدت فيها كتب أخرى أعجبتني ولم تخظر لي ببال إلا أن أسماء الكاتبتين كافية جدًا، سألني عن دراستي أيضًا، فأجبته هذه المرة باستفاضة أكثر، وحين عرف بعملي أراني كتب الفارما على الرف، وتعجب أنني لا أحضر الأدوية والعقاقير، فقلت: التعليم بايظ والنقابة فاشلة والوزارة في الضياع، فوافقني خاصة في جزء التعليم، قال :"انا رجل بسيط بس وانا قاعد هنا بقرا في الكتب بعرف منها حاجات مقلقة، وبتجيب لي أفكار سيئة"، وتناول كتابًا لا أذكر اسمه، لكنه كان يتكلم عن مصر في حكم المماليك، وقرأ لي فقرة بعينها، وكانت تنظبق على حالنا الآن، وتناول كتابًا آخر من رف آخر، وقرأ لي منه سطرًا بعينه، لم أملك سوى أن أتنهد، الكلمات تعبر عنا في كل لحظة رغم قدم الكتب وتنوع موضوعاتها، وانتبهنا لسؤال من تريد كتبًا، فودعنه وانصرفت، وأتممت رحلة بحثي، حتى وجدت نسخة ممزقة للرواية، هممت أن أبتاعها، لولا أن سعرها كان باهظًا بالمقارنة بحالتها، فقلت له ببساطة :"ممكن ألاقي من الكتاب ده نسخة جديدة بنفس السعر ده في مكتبة مصر" ، قال "خلاص هاتيها من هناك"، تركته وانصرفت، بينما الشاب الساخظ يصرخ إثر رحيلي:" حظ سعيد في الحصول على نسخة مش هتلاقيها"، لكنني وجدتها لدى بائع آخر في السور أيضًا وكانت حالتها جيدة ، فاقتنيتها واقتنيت كتابًا لأخي الصغير الذي فاجأني في آخر زيارة أنه يقرأ،وليس هذا فحسب بل قرأ كتابين، وحين سألته عنهما قال: كتاب فرسان الهيكل هو تلات أجزاء" ، وانت قريت منه جزئين؟، قال "لا وأنا هضيع وقتي في 3 أجزاء، أنا بجيب م الآخر ، قريت الجزء التالت"،"والكتاب التاني؟"، "كتاب برتوكولان حكماء صهيون جزئين"، "وانت طبعا قريت التاني؟ّ"، "آه طبعا""على فكرة الأجزاء بتبقى مختلفة وهتلاقى معلومات مختلفة ""آه ما أنا عارف" ، أبتسم فقد بدأ على الأقل يقرأ!
أنا أعرف أن القراءة لن تجعلني أهدأ، بل ستشعل في الثورات، براكين أحيانًا لن أقوى على إخمادها، ولكن هذا أفضل من التلفت والبحث والجري وراء أهداف وهمية، فقط لو أتوقف عن إقتناء المزيد من الكتب، لو أنهي الكومة التي لا تنتهي، حينها ربما أكون قاربت الشفاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق