الكثير من اللغط والجميع غاضبون، لاأحد يستمع للآخر رغم أن الأمر قد تم حله بالفعل من اقتراحات البعض، أقترح هدنة صغيرة ليهدا الجميع، أرتب الكلمات في رأسي، لكنها تأبى على الخروج، ليس لأن الحل متعسر، ولكن لعدم إيماني بالتمهيد الضروري للوثوب لاقتناع الجميع بالحل، لاأجد بدًا من الكلمات، أتحدث عن كون الحل المُعتَرَض عليه عادلًا جدًا، لكن العدالة في حد ذاتها مستعصية، لم أعرف كيف أثب لجوهر المشكلة ، بل لم أرد أن أطرقها من الأساس، يعود اللغط من جديد، ثم ينتهي الأمر في سلام.
في اليوم التالي وفي طريقي الطويل للغد أقرأ في كتابي :
"وصرخ وهو يحدق في الظلمة(فأين هو ابن الانسان؟ انه لم يعد يخصك، بما أنك وعدتنا به-إنه ملكنا! فأين هو؟ لماذا لم تعطه سلطانًا ومجدًا وملكوتًا حتى يتمكن شعبك، شعب اسرائيل من حكم العالم كله؟ لقد تيبست أعناقنا من طول مراقبة السماء وانتظارها لتفتح أبوابها. فمتى، متى؟ نعم -لماذا تضرب على هذا الوتر؟- أنت تدرك جيدًا أن ثانية واحدة بالنسبة لك هي آلاف السنين بالنسبة للبشر، حسن، ولكن لو كنت عادلًا يا رب لقست الزمن بمقياس البشر، وليس بمقياسك.هذه هي العدالة!"
العبارة تقلقني، وتجعلني أفكر مرارًا في موقفي في اليوم السابق،لكنني أتابع القراءة ربما يتغير الأمر..
وقد تغير، إذ جاء على لسان أحدهم:
"صبرًا . سيأتي اليوم الذي ينهض فيه الفقراء الى العلاء ويغوص الأغنياء الى الحضيض.هذا هو معنى العدالة"
أعرف حينها أن معاني القيم تختلف باختلاف أصحابها، وأعرف أيضًا أنني في مفترق طرق، وأن علي أن أمضي قدمًا، وأعرف أنني أمجد الماضي وأعتز به، وأعرف أن المستقبل هو ابن الماضي، لكنني أخاف، أخاف أن تطاردني كلمات الأمس إلى الغد ، تلك التي ليست من قناعاتي، أعرف أن المساواة تختلف عن العدالة ، وأن تحققهما معًا أمر غير مضمون، أخاف أفكاري، أتمتم قول درويش:
"أنا ندم الغد والبارحة"
لست ممن يندمون على أي شئ، لكنه الخوف، الخوف من تحقق ما تخاف منه..
أصل وجهتي، وأبرز تحقيق شخصيتي لحارس الأمن، الذي لمحني أبدل عويناتي الحاجبة للشمس بالأخرى المعتادة، لمح اللحظة التي لم أكن أرتدي فيها أي عوينات، وبادلني بابتسامة وجاملني:"من غير النضارة أحلى"، أبتسم وأمضي