عزيزى:
أعرف تنتظر رسالتى إليك فى عامى الجديد، ولا لم أتأخر، كما أن ظروفى لم تواتنى لأكتب إليك ،والأهم أننى خجلت من الكتابة إليك وقد أخطأتك مرة ،وأخاف أن أخطأك أكثر من مرة، فكيف لى أن أعرفك؟، كيف لى أن أعرف أنك أنت دون التورط فى عاطفة أو ذكرى؟..
الاجابة على هذا السؤال تكاد تكون مستحيلة ،وبلى أتممت ربع قرن من الحياة، العجيب فى الأمر أننى يومًا لم أتخيل أن أصل حتى للعشرين، منذ كونى طفلة وأنا يتملكنى هاجس الموت صغيرة، ولن أنكر أننى متُ مرارًا وبأشكال عدة هذا العام،
ولأننى لم أتوقع أن أعيش حتى هذه اللحظة ،لم أتخيل لوهلة وجودك فى حياتى،ولم أتخيلك سوى بعد تخطي العشرين ببضع سنوات،لكننى لا أتخيلنى أصل للثلاثين من العمر.
هذا ناهيك عن التقلب الغير خافى فى أحوالى من أقصى إلى أقصى،ومن أقسى إلى أقسى، من ذروة الأمل إلى قيعان اليأس، من حنايا البهجة إلى تشققات البؤس، وربما السبب أننى أكثر وعيًا بكل الرسائل التى تتضمنها الحياة والأشياء،وألبسها من ثياب المعانى ما يناسبها،لكن أحيانًا بعض الأشياء يناسبها أكثر من معنى، لم أكن يومًا مترددة أمام شئ،لكن اكتشفت ترددى أمام المعانى،وأصبحت تتلبسنى الكلمات!،فاليوم مثلًا أخطأت اتجاه المترو فى محطة العتبة لأجدنى فى محمد نجيب بدلأ من الشهداء ،وبعد هبوطى من المترو وقفت للحظات أضحك على غبائى وعلى تعجب أحد راكبى المترو من ضحكى، وكيف لا أضحك وأنا كررت خطأى الذى ارتكبته منذ أسبوع رغم توقفى لوهلة أمام لافتة المحطات لئلا اقع فى الخطأ الذى كررته،وكما حدث فى المرة السابقة تأخرت عشر دقائق،المختلف فى الأمر أن فى المرة السابقة كنت قد تحركت مبكرة عشر دقائق فكانت المحصلة لحوقى بالقطار أما هذه المرة لم يكن لدىّ أى أمل،لكن حدث شئ جعلنى أبتسم من أعماقى، بعد أن استقللت المترو فى الاتجاه الصحيح انتبهت لفتاة صغيرة تقف جوار أخيها ووالدتها قرب الباب تحمل فى يدها باقة من ثلاث ورود، لم أملك إلا أن سألتها: "جبتيها لمين؟"،لم ترد خجلًا، لكن الوالدة صرحت :جابتها لنفسها، وسألتها بلازمتى الشهيرة:فعلا؟،فقط ابتسمت، صمتُ ثم قلت لها:"عارفة أنواعها ايه؟"، أجابت الوالدة :"هتقول ألوانها" ،فسألت الفتاة ثانية،فأجابت: "أحمر ،أبيض،روز" ،ابتسمت وقلت لها :"الأبيض و الأحمر اخوات من نوع الورد البلدى وده بيتزرع هنا فى مصر ،أما الروز ده اسمه داليا و بيتزرع بره،وانتى معاكى اتنين مصريين وواحدة أجنبية،يعنى المصرى أم الأجنبى" ،ابتسمت و ابتسمت والدتها،ولمحت الرصيف يقترب،فبادرتها:"اسمك ايه؟" قالت:"أمنية" حينها ابتسمت وودعتها لوصولى وجهتى،وفكرت أن لولا خطأى لما قابلت الفتاة الصغيرة وإن كنت ضيعت قطارى، لكن هذا لم يمنعنى من الذهاب للمحطة للتأكد،كان قد غادر بالفعل،ففكرت فى حجز بعض التذاكر،واتجهت لفعل ذلك،وهنا لمحته أستاذى القدوة والذى حتما خذلته حتى دون أن يعرفنى، تابعته ببصرى إذ لم أجرؤ حتى على تحيته،لكننى تفائلت برؤيته فى هذا الزمن تحديدًا،فكأنما هو يجيب على سؤالى الذى طرحته منذ أقل من شهر عن عدم لمحى له صدفة فى الغدو أو الرواح،فكأنما رؤيتى له اليوم مباركة لخطوة لا أعرف إن كانت تتم أم لا ،خاصة أن السبل والأبواب تتفرق بى فى هذه الفترة من حياتى،كل هذا وأكثر جعلنى أدرك عدة حقائق منها مثلًا أننى أقضى فى الطريق إلى أى جهة وقتًا أطول مما أقضيه فى الجهة ذاتها، ولن أقول أو أتساءل مثلما فعلت منذ سنتين، عن استحقاق الأمر الرحلة،لأن الأهم هو الرحلة واستغلال وقتها كما ينبغى، الشئ الآخر الجدير بالذكر أن اختيارات صغيرة أو حتى تفاصيل صغيرة قد تبدو غير مهمة وغير مؤثرة تغير تمامًا من الواقع ولو على مستوى المزاج الشخصى.
ولأننى لم أتوقع أن أعيش حتى هذه اللحظة ،لم أتخيل لوهلة وجودك فى حياتى،ولم أتخيلك سوى بعد تخطي العشرين ببضع سنوات،لكننى لا أتخيلنى أصل للثلاثين من العمر.
هذا ناهيك عن التقلب الغير خافى فى أحوالى من أقصى إلى أقصى،ومن أقسى إلى أقسى، من ذروة الأمل إلى قيعان اليأس، من حنايا البهجة إلى تشققات البؤس، وربما السبب أننى أكثر وعيًا بكل الرسائل التى تتضمنها الحياة والأشياء،وألبسها من ثياب المعانى ما يناسبها،لكن أحيانًا بعض الأشياء يناسبها أكثر من معنى، لم أكن يومًا مترددة أمام شئ،لكن اكتشفت ترددى أمام المعانى،وأصبحت تتلبسنى الكلمات!،فاليوم مثلًا أخطأت اتجاه المترو فى محطة العتبة لأجدنى فى محمد نجيب بدلأ من الشهداء ،وبعد هبوطى من المترو وقفت للحظات أضحك على غبائى وعلى تعجب أحد راكبى المترو من ضحكى، وكيف لا أضحك وأنا كررت خطأى الذى ارتكبته منذ أسبوع رغم توقفى لوهلة أمام لافتة المحطات لئلا اقع فى الخطأ الذى كررته،وكما حدث فى المرة السابقة تأخرت عشر دقائق،المختلف فى الأمر أن فى المرة السابقة كنت قد تحركت مبكرة عشر دقائق فكانت المحصلة لحوقى بالقطار أما هذه المرة لم يكن لدىّ أى أمل،لكن حدث شئ جعلنى أبتسم من أعماقى، بعد أن استقللت المترو فى الاتجاه الصحيح انتبهت لفتاة صغيرة تقف جوار أخيها ووالدتها قرب الباب تحمل فى يدها باقة من ثلاث ورود، لم أملك إلا أن سألتها: "جبتيها لمين؟"،لم ترد خجلًا، لكن الوالدة صرحت :جابتها لنفسها، وسألتها بلازمتى الشهيرة:فعلا؟،فقط ابتسمت، صمتُ ثم قلت لها:"عارفة أنواعها ايه؟"، أجابت الوالدة :"هتقول ألوانها" ،فسألت الفتاة ثانية،فأجابت: "أحمر ،أبيض،روز" ،ابتسمت وقلت لها :"الأبيض و الأحمر اخوات من نوع الورد البلدى وده بيتزرع هنا فى مصر ،أما الروز ده اسمه داليا و بيتزرع بره،وانتى معاكى اتنين مصريين وواحدة أجنبية،يعنى المصرى أم الأجنبى" ،ابتسمت و ابتسمت والدتها،ولمحت الرصيف يقترب،فبادرتها:"اسمك ايه؟" قالت:"أمنية" حينها ابتسمت وودعتها لوصولى وجهتى،وفكرت أن لولا خطأى لما قابلت الفتاة الصغيرة وإن كنت ضيعت قطارى، لكن هذا لم يمنعنى من الذهاب للمحطة للتأكد،كان قد غادر بالفعل،ففكرت فى حجز بعض التذاكر،واتجهت لفعل ذلك،وهنا لمحته أستاذى القدوة والذى حتما خذلته حتى دون أن يعرفنى، تابعته ببصرى إذ لم أجرؤ حتى على تحيته،لكننى تفائلت برؤيته فى هذا الزمن تحديدًا،فكأنما هو يجيب على سؤالى الذى طرحته منذ أقل من شهر عن عدم لمحى له صدفة فى الغدو أو الرواح،فكأنما رؤيتى له اليوم مباركة لخطوة لا أعرف إن كانت تتم أم لا ،خاصة أن السبل والأبواب تتفرق بى فى هذه الفترة من حياتى،كل هذا وأكثر جعلنى أدرك عدة حقائق منها مثلًا أننى أقضى فى الطريق إلى أى جهة وقتًا أطول مما أقضيه فى الجهة ذاتها، ولن أقول أو أتساءل مثلما فعلت منذ سنتين، عن استحقاق الأمر الرحلة،لأن الأهم هو الرحلة واستغلال وقتها كما ينبغى، الشئ الآخر الجدير بالذكر أن اختيارات صغيرة أو حتى تفاصيل صغيرة قد تبدو غير مهمة وغير مؤثرة تغير تمامًا من الواقع ولو على مستوى المزاج الشخصى.
آه.. هذا العام طلبت من أصدقائى أن يكتبوا لى رسائل، لا لتعيننى على فهمى كما فهم البعض، بل لتعيينى على تقويمى، وليست هذه النتيجة هى ما توصلت له فى النهاية،إلا أننى أدركت بعض الأشياء منها مثلا:كلما كان الشخص بالقرب منك كان عسيرًا عليه الكتابة إليك، تكرر هذا مع أكثر من شخص،لكن رسائل الآخرين الصادقة والمجاملة والمذكرة بما كان من ماضى أسعدتنى كثيرًا.
لم أعد أشكو الملل كما كنت أفعل سابقًا ربما لأننى رسمت خططًا جديدة موازية لخططى القديمة،ولم أعد أكترث بالعمل، تحولت إلى أخرى لا ترتبط بالمكان ولا الأشخاص، تشاهدهم وترصدهم من بعيد،و لا أقترب إلا فى أحلكها أويقات لأبتعد من جديد،ربما لأننى أدركت أن ارتباطى بروتين العمل اليومى لن يفعل شيئًا سوى أن يسحب من طاقتى وشغفى!أو هذا ما أزعم..
يمكنك أن تستنتج كيف كان العام الماضى حافلًا على كل المستويات،وأننى تغيرت ،لم أعد تلك الفتاة التى كنتها، توسعت دائرة معارفى وأصدقائى بشكل لم أعهده قبل، بالفعل كان لدى الكثير منهم،لكننى قصدت آخرين افتراضيين،منهم من لم يعودوا افتراضًا بمقابلتى وتعاملى معهم ،وعلى سبيل المثال آخرهم العزيزة شيماء على التى قابلتها قبل ذكرى ميلادى بأيام معدودة،وكان اللقاء غريبًا ومميزًا،فمن الغريب فعلًا أن أشعر أننى اعرفها منذ سنوات ،رغم أننا لم نتبادل سوى حوارات قصيرة معدودة،وهناك من لم يزالوا افتراضيين بعد، لم أحصرهم، لكن لابأس.
وهذا يجعلنى أحدثك عن شئ آخر، عن العالم الافتراضى العجيب، هل تعرف لم هو عجيب؟،لأن جملة واحدة تكتبها لاتعنى شيئًا إلا لك،تترجم وتؤول على كل شكل ووجه ممن يعرفونك وممن لا يعرفونك، فلو قلت مثلًا "أننى أبغض وأغضب"،فإن هذا يعنى لهم حتمًا أن ذلك بسبب من اعتقدته أنت،ولو أن الحقيقة غير ذلك،ووحدى ومن هم فى دائرة حياتى الحقيقية الضيقة يعرفون ما كتبت عنه،حتى ما أكتبه هنا ليس بالضرورة أن يكون كما يبدو،ليس وفقط للسبب السابق ذكره،لكن لأن حتى فى الحياة الحقيقية يمكنك أن تسمع حكايتين مختلفتين كلية لذات الموقف من شخصين مختلفين،لأن كلًا منهما يرى الموقف من جهته وفقط! ،لكن مع هذا لن أنكر أن حياتى الافتراضية هنا تحديدًا غيرت حياتى كثيرًا فى العام الماضى،تجربة الكتاب كانت ثرة بكل تفاصيلها،وأهم هذه التفاصيل أصدقاء اكتسبتهم لم أكن أتخيل يومًأ أن تتقاطع سبلنا.
لقد استغرقت وقتًا طويلًا جدًا لأسرد كل التفاصيل التى لم تنته بعد،فقد حظيت مثلًا بثلاث حفلات حتى الآن، حفلة عائلية فى موعدها السنوى، وحفلة من أصدقائى فى موعدها الذى أبهجنى قليلًا،وحفلة فى العمل والتى انقلبت ولأكثر من مرة جدلًا حول الحكم بالشريعة أو الحكم بمبادئها، حتى أنهكت قوى الجميع ،كان هذا أمس مما جعلنى أعود للمنزل بصداع شديد الوطأة،لكن التفاصيل الأهم عن يوم ميلادى نفسه،فقبله بيومين تحديدًا أنبتت إحدى نبتاتى وهذا كان سببًأ كافيًا للقضاء على صداع الصباح الذى كان سببه الحوار الداخلى فى الليلة التى سبقته، المهم رويتها وانطلقت لأحضر محاضرة ،ورغم أننى وصلت هناك قبل انتهاء موعد المحاضرة بربع الساعة،إلا أن جرأة اعترتنى بعد تردد دقائق و طرقت الباب ودخلت لأجد المحاضر يقتبس من القرآن الكريم:"ومن نعمره ننكسه فى الخلق"، لم أقف عند الاقتباس وأنهيت محاضراتى وسلكت الطريق الطويل للمنزل الذى انتهى حين غادرت السيارة الأجرة فى تلك اللحظة وبينما أترجل المسافة القليلة الباقية لاحظت انقطاع التيار الكهربى عن المنطقة،ابتسمت وغمغمت فى سخرية "توقيت مناسب"،لأننى أعرف ان الجميع ينتظروننى للاحتفال، سيطرت علىّ الفكرة السوداوية بعض الوقت حتى وضعوا الحلوى وبحثوا عن الشموع، فقلت:"ما احنا طفيناها من شوية"، وكان ذلك بعد عودة التيار،مما جعلنى أتمتم لذاتى فى ابتسامة داخلية لم يكن الأمر بالسوء الذى تخيلته فقد أطفأ كل سكان المنطقة الشموع ،شموعى.
آه..لازالت لى اقتباسات لدرويش، جمل بعينها أود أحيانًا أن أقولها فى مواقف بعينها لكننى لا أفعل، فهناك ذلك اليوم الذى أردت فيه القول لأحدهم "هى لا تحبك أنت!"، ويومًا آخر وددت لو قلت لآخر "لم يكن الشعر بريئًا أبدًا"،وكثيرًا وأنا ألمح موقفًا قد يضاف لروايتى المتوقفة حاليًا عن كتابتها "الخاص العام والعام خاص"، لكن هناك يومًا وحيدًا اقتبست قصيدة كاملة وأسمعتها لصديقة لى حين سألتنى عمّ قد أفعل إن علمت أننى أموت بعد شهر، زاعمة أن درويش يطرح إجابة وجودية فى قصيدته "بقية حياة".
يمكننى أن أسمى هذا العام بعام الأعاجيب، فمن العجيب أننى أحتفى بأنوثتى وألعنها فى بعض الأحيان،ومن العجيب أننى أقدس الوقت وأهدره، ومن العجيب أننى لم أفكر يومًا فى الهجرة وخطوت خطوة لم تنجح فى هذا الاتجاه.والأعجب هى السبل والأبواب التى تبدو أمامى ولا أعرف إلى اين تؤدى،ولا هل تناسبنى؟ والأعجب متى تتبدى هذه الطرق والأبواب!
ملاحظة أخيرة:
أول ما طالعنى يوم الميلاد كان قناة العربية معلنة فوز أوباما بولايته الثانية كرئيس للولايات المتحدة، كان هذا بمثابة إشارة لفرصة ثانية لى للحياة كما كانت فرصة ثانية لأوباما، فهل أفلح ؟
هناك تعليقان (2):
صدقتِ المعنى في الرحلة ذاتها، لا في الغاية منها
وكنتِ بين يديْ أمنية :D
صباح التفائل تماما :D
انتي جميله اوي وانا بحبك :*
إرسال تعليق