الاثنين، سبتمبر 08، 2014

صورة تحكي 1،2 *


من النافذة أطل على الحياة، ربما لأراها بعيني اللتان لم يتغير لونهما منذ قدومي إلى هذا العالم عن اللون الأخضر، والتي أفضل إخفاءها خلف نوافذ أخرى لتطل منها على العالم، وربما كي يراني البشر عبرها...

نعم كانت تلك إطلالتي من القطار أمس، بينما أستكشف عالمًا جديدًا سأكون فيه يومًا ما وحدي تمامًا، وحيث لن يجمعني بمن أحب سوى الذكريات، ستكون المسافة أكبر من صنع ذكريات جديدة، اللهم إلا عن طريق الاحتيال والتكنولوجيا ، وأدرك الآن أن هذا ليس جديدًا أبدًا عليّ، فمنذ عامين تواجدت في مكانين في ذات الوقت، ودون حيل سحرية، تواجدت في المكان والحدث حيث كان حشد ممن أحب، وحكوا لي جميعًا ما حدث، وأذهلتني التفاصيل الكثيرة والمتنوعة والمتباينة التي وصلتني، ربما لو كنت هناك لما استطعت أن أحيط بكل تلك التفاصيل، وحين أدركت هذه الفكرة بعدها تحررت تمامًا من ضيق العجز والمسافة.

لم أدرك إلا الآن لماذا أحب النوافذ كثيرًا، فأنا أفضل دومًا كرسي النافذة، وفي المقاهي والمطاعم أختار أقرب الأماكن للنافذة، وربما أختار المكان ذا النافذة الأكبر، لأنني أحب الحصول على أكبر قدر ممكن من التفاصيل، وليس هذا فحسب بل أن أكون على مسافة جيدة من التفاصيل، المسافة التي هي ليست بالقريبة لتجعلني أسأم، ولابالبعيدة فلا أميز أي شئ، ربما أنا أحب مشاهدة الحياة تحدث حولي، وفي ذات الوقت مشاهدة تسمح لي بأن أحياها كما أحب، ولا أستطيع الآن أن أحدد كيف احب هذه الحياة؟ لكن في أمسي ذكرى لطيفة تلخص الأمر: كان لدي أكثر من أمر أود انجازه ووقت محدود محدد سلفًا فلا مجال لاضاعة دقيقة في الطريق الخطأ أو التفاصيل الخطأ، لكنني وبعد أن عبرت بتذكرتي في المترو خط الجيزة كما تعودت، أدركت أن وجهتي هذه المرة مختلفة وأنها باتجاه حلوان، لأغير الاتجاه من الرصيف، وأدركت الآن أن الخروج والدخول ثانية في الاتجاه الصحيح كان الخيار الأفضل، بسبب جحافل البشر التي تعيق الحركة، وربما لم يهن على الأمر سوى السيدة المنتقبة وطفلها الذي تابعني بنظره بعد أن سألت والدته عن ذات الاتجاه لتسلكه، شيئ ما في نظرة الطفل البرئ أخبرتني أنني في الطريق الصحيح، وحين وصلت وجهتي  جوار قبر سعد، اكتفيت بأن غمغمت في سري ما هو معتاد في مثل هذه المواقف بيد أنني كنت قبيلها بقليل أغمغم في سري أيضًا "سعد سعد يحيا سعد"، في محاولة مني لتخيل أن كل هذا الزحام ما هو إلا مظاهرة في عهد الراحل!
وحين وصلت وجهتي ترددت أمام باب زجاجي، أستكشف من وراءه المكان والبشر، وفي ذان اللحظة مر أحدهم وتعجب من وقفتي المتأملة للاشئ في الواقع، وقال ادخلي مفيش حاجة تخوف ورا الازاز، محدش هيخطفك ، ومضى في طريقه المعاكس لطريقي، لأنتهي في وقت عودته تمامًا ليجدني أيضًا أمام  الباب الزجاجي مغادرة: هتتفرجي تاني؟ ، ابتسمت وغادرت.

ربما هذه التفصيلة الصغيرة ضمن الكثير من التفاصيل تلخصني ببساطة، فالصورة التي التقطتها من نافذة القطار كانت آخر صورة من ثلاث صور التقطتها فقط لأكتب عن السفر ومتعته وفوائده وعن القطار وحكاياه، الصورة الأولى كانت لقطار العودة وهويصل للرصيف، ولم أتخذ القرار بسرعة لتكون الصورة مواكبة للحدث فجاءت صورة لأحدهم على متن القطار بالفعل، والثانية هي انعكاس لصورتي وآخرين انضموا لي عرضًا أثناء التقاطها على زجاج نافذة القطار الخارجية، والثالثة التي ترونها لا يميزها أي شئ سوى النافذة التي لم أطل منها سوى لحظة التقاط الصورة ولتفقد اين صرنا من الطريق بينما أطالع كتابي الجديد  الذي قررت شراءه وكتب أخرى من باب توثيق لحظة سعادتي بانتهاء يومي أفضل مما أملت.

ربما أيضًا الاطلالة من شرفة الأصدقاء كانت مبهجة وهازمة لخوفي من المرتفعات لأتحمل عشر دقائق كاملة وحدي ودون تذمر،ربما أيضًا تفضيلي النوافذ سببًا مباشرًا لكون لدي الكثير من التفاصيل التي تؤهلني لحكي كل التفاصيل التي أرغب في حكايتها، وربما تشبه كلماتي تلك الأحجية الشهيرة :" من أسبق الدجاجة أم البيضة؟" ، ولكن لا بأس، طالما أن الأمر جعلني في تلك اللحظة التي أنقر فيها هذه الكلمات مرتاحة جدًا، ولا أشعر بأي ضغينة تجاه أي إنسان ولا حتى جارتنا التي تقابلني منذ أمس بداية، بتعليقات وتشبيهات عجيبة الأطوار، ولا أملك سوى الضحك كلما تذكرتها.


باختصار أنا أحب النوافذ التي تجعلني محيطة بقدر أكبر من التفاصيل حتى لو كانت تافهة وغير ذات جدوى، ولا وظيفة لها في حياتي سوى إعمال الخيال المحدود جدًا.

ضمن فعاليات صورة تحكي

ليست هناك تعليقات: