يومها استيقظت صباحًا لايؤرقني شئ سوى صوت التليفزيون الصاخب، ولم أميز شيئًا سوى أنه أقلق نومي الذي كنت في حاجة إلى ما يكفي منه، أطفاته وعدت لأستأنف نومي رغم ملاحظتي ان الصباح وضوئه يشي بأنني لن أنام الكثير بعد،لأستيقظ تمام الثامنة والنصف فزعة،ولا أعرف كيف بعدها بتسع بدقائق بالضبط كنت في طريقي إلى العمل، لأصل من أوائل الحضور،وبينما لازالت آثار النوم معي وتحية الصباح ألقيها دون انتظار رد ،فاجاني سؤالها إن كنت أعرف آخر ما حدث من فض الاعتصام،فاجأني أصلًا فض الاعتصام،رغم التنويه على ذلك ورغم أنني لست داعمة لغرض هذا الاعتصام تحديدًا، وكان معي حاسبي ،وكان من الممكن الولوج للشبكة العنكبوتية ومعرفة كل المستجدات،لكنني آثرت أن يخلو يومي من المعكرات السياسية، وإن كان النقيض هو ما حدث!
فلم تكد تبلغ الساعة الحادية عشرة حتى تتالت المهاتفات على الجميع ،وكان نصيبي منها اثنين، للاطمئنان عليّ طلب عودتي للمنزل مباشرة عقب العمل ودون سلوك طرق بعينها!
العجيب في الأمر أنني كنت اشعر أن الأمر برمته لن يروقني،لأرفع من جملة درويش الشهيرة " أنا لا شئ يعجبني" شعارًا مستبقًا لمعرفتي وتقديري للأمر،والأعجب أن تجد نفسك منخرطًا كليًا في أنشطة ,وممارسات لا علاقة لها باي شئ سوى الهروب من الواقع البائس وذلك حتى قبل تصاعد الأحداث، كأن أشارك مثلًا في حملة عجيبة لدعم وتوعية النساء والفتيات عن سرطان الثدي،برسالة مشفرة لا يفهمها إلا ذي علم بالأمر،وبسببها وفي اليوم التالي تاتفني صديقتي العزيزة لتقف على حقيقة الأمر،وياتيني صوتها خافتًا ضعيفًا لأنها منذالصباح الباكر الفضلت نومه ،تشاهد عن كثب كل ما يحدث كما تنقله الشاشات المختلفة!،ليكمل عليها ما حسبته من رحيلي، صارحتها بحقيقة أنني حتى ما تراه عيناي لا أصدقه!،لذلك فأنا أوفر على نفسي عناء تبعات ما سأشاهده من قتلى وجرحى وخلافه، الأخبار المجردة من الصورهي ربما ما أتابعه وهي أيضًا لا تخلو من كذب وتلفيق،ويكفيني انفعالاتي لما يحدث على شبكات ،التراشق الاجتماعي، ولست في حاجة لمعرفة أي شئ عن الضحايا، الموت الانسانس المجرد يكفي ليهز أي انسان!
وبالطبع الحل الأمثل للمأزق الانساني المتمثل في رفض كل ما يحدث مع ادراك حقيقة ألا دور لي على تغييره هو الهرب،وصديقي الأمثل في ظروف مماثلة هو النوم!
ولا أعرف من منا يلجأ للآخر،ومن منا يرفض التخلي عن رفيقه في وقت الشدة،لحتى يصبح النوم مُخلِصًا ومُخلِّصًا،وربما ما أراه في الحلم يحتال حقيقة بقوة قانون الجذب، لحتى تتسبب زجاجة شويبس في جرح عجيب في معصمي الأيسر ليحسب من يراه لأول وهلة أنها محاولة فاشلة للانتحار ،متناسيًا حقيقة أن أمثالي لا ينتحرون،وأمثالي لا يخطئون الشرايين والأوردة،وأن الأمر لايعدو أكثر من شرود بينما أحرك الزجاجة في ذات اللحظة التي كنت أفكر فيها في حقيقة ما يحدث:"هل يصبح المقتول في أحداث مماثلة لما يحدث "شاهدًا أم شهيدًا؟ فارق شاسع بينهما فما الحقيقة؟، كان الأمر لا يخلو إذن من التفكير في الموت، وربما لو أراد أمثالي الانتحار لانتحروا فكريًا ورغم جهلي بكيفية حدوث ذلك ،إلا أنه لابد من طريقة..
هل قلت أن مشهد الدماء المنبثقة من جرحي لم يكن مروعًا كما هو معتاد؟،و الألم الذي سببه الجرح كان على خفته نسبيًا عن الألم السبب كل شئ مروحًا وملهيًا عنما عداه من الألم!
بعدها لم أعد أفكر سوى في شئ آخر:ربما هو توقعي للحرب الأهلية وحدوثها هو ما جذبها إلى أرض الواقع، ربما انا إذن السبب،ولوم النفس في ظروف مماثلة أهون كثيرًا من الاحساس باللاجدوى! ربما..
أما اليوم فهو عجيب، للانفلونزا والاكتئاب متلازمة معي لا تخفى على أحد،فكل منهما تدعم الأخرى وتزيد من حدة كل شئ، هما مرآة التناقضات لو تعرفون، فمثلًا أجد دمعة تترقرق بفعل أثر فيروس سخيف لامرئي عجز أن يرقرقها أنباء القتلى والدماء والدمار!،أن يجافيني النوم تمامًا بفعل السعال والرشح لأظل متيقظة مع كل الحقائق المحيطة والمؤرقة ورغم خفة حدة الأحداث نسبيًا!
،أن ألاحظ تغير جوهري في صورة هوية الكثيرين لتشير لموقفهم واتجاههم وليس هذا في حد ذاته المشكلة ،وإنما هي: أنى لهم كل هذا اليقين من أنهم محقين؟،رغم أننا نعيش في زمن لا شئ فيه مطلق!
أن أشعر أننا جميعًا :"شاهد ماشافش حاجة!"..
كنت أغمغم داخلي منذ البداية :"أنا عايزة أعيش في كوكب تاني" حتى أدركت أن الكوكب منا براء، جل المشكلة هي نحن، بكل تلك الطاقة العجيبة والخلاقة على الصمود لتحقيق مكاسب مزعومة على حساب كل واي شئ،وإنسانيتنا هي الثمن المدفوع مقدمًا،فطوبى لأموات نصف أحياء!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق