هذه المرة أثرثر لأن لا شئ آخر يمكننى فعله غير ذلك،الزكام وثقل الدماغ لايجعلانى قادرة على أى شئ مما أفضل فعله،حاولت ولكن بالفعل لم أصمد أمام شدة الأعراض،أحضرت كتابًا ما من على الرف،فتحته قرأت فيه ما يعدو على العشرين صفحة،اللغة ساحرة جاذبة ،لايمكننى أن أقرأها دون تركيز وتمعن تام فى الكلمات،أردت أن أعرف أين توقفت،فبحثت جوارى على الطاولة على أى شئ يصلح عدا المناديل المتناثرة هنا وهناك والتى تعرف مصيرها بعد قليل ،وجدت ورقة من التقويم اليومى وضعتها،وبينما أفعل اندهشت، كانت الورقة تحمل تاريخ يوم كان منذ اسبوع مضى ،وكانت حكمة ذلك التاريخ " الفتاة السعيدة هى التى تظ بعقلهاحينما تفقد قلبها"، لا هكذا كتبت وكأنما كان عسيرًا حتى على من يطبع الكلمات أن يكتب كلمة تظل صحيحة،فناهيك عن فتاة مماثلة!، عدت للرف لأحضر رواية ما ألتهى فى أحداثها عن الأعراض، وقد كان،لكن زادت حدة الأعراض اكثر فتصبح متابعة أحداث صفحة واحدة من السرد شئ عسير، وفكرة مشاهدة التلفاز مملة ومؤلمة كما كان أمس،شاهدت فيلمين وأغفلت آخر وأهم لقطة فى الفيلم الثانى ،لا أجد بديلًا عن الثرثرة غير ذات الجدوى غير ربما قضاء الوقت الذى يسبق النوم الذى مللته أيضًا من كثرة ما قضيت من الوقت فيه.
الحقيقة لا يمكننى نسب كل شئ لأعراض الانفلونزا،فقبل الانفلونزا التى لها أسبوع أيضًا ملازمة لى،لم أكن أشعربأى شئ من الحياة، أن تكون حيًا يعنى أن تشعر بشئ ما،أن تشعر بضيق، أن تشعر بسعادة،أن تشعر بتبرم، أن تشعر بأى شئ،لكن تلك الحالة العجيبة من الخواء واللاشئ قاتلة فاتكة إذا صح القول.،حتى الأشياء المفترض أنها تضايق أيًا كان لا تؤثر هنا، ربما لأن كل الأشياء كانت مؤلمة،حتى لو كانت سببًا للسعادة يومًأ ما، مما يعنى أن الأشياء فى حد ذاتها ليست سببًأ للسعادة، السعادة أو نقيضها نابعة من الإنسان، المهم كل الأشياء كانت مؤلمة ولم يكن يريحنى أى شئ سوى أمرين: أن أذهب للمسجد أو أن أتفاعل مع طفل ما على غير تدبير بالطبع.
ربما منذ ثلاثة أسابيع أنهيت جزءًا من محاضراتى وقررت العودة للبيت، وكان يفصلنى عن موعد القطار حوالى ثلاث ساعات والتى كان من المفترض أن أقضيها فى المكتبة وفى محاضرى أخرى، المهم لم أقو على القراءة ولاعلى الانتظار فى حرم الجامعة ولا التجول فى أنحاء القاهرة، فكانت وجهتى المحطة،ذهبت وقلت لنفسى لن أفعل أى شئ سوى مراقبة البشر،سأحاول أن أخمن بم يشعرون، لم أعرف أن أخمن أى شئ وبعد عشر دقائق قررت الالتجاء للمسجد وصلاة الفرض القائم والانتظار فيه،وكالعادة كان فارغًا سوى من قلة،وأول ما لفت نظري الطفلة ذات الملامح الشرق آسيوية التى كانت تلهو بالمسجد بينما أمها تتركها بحريتها،كانت طفلة فاتنة بكل معنى الكلمة،ضحكتها الآسرة كانت كفيلة بادخال السعادة إلى قلبى فى لاوقت،صليت،وناجيت الله،وبدات بتناول شطية أعددتها صباحًا،فاقتربت الفتاة منى،فأعطيتها قطعة منها،فتناولتها منى باسمة وركضت، ولا أذكر فيم التهيت حتى انتبهت لها تدور حول العمود الذى أجلس إليه،فيما يشبه المداعبة من بعيد، ظللت وهى أنظر لها فتركض لقطر آخر من الدائرة التى مركزها العامود الذى أجلس إليه،ربما لايدرك الأطفال فى لهوهم هذا مع الكبار التسرية والسعادة اللتان يسبغانها على الأحياء وربما لله فى ذلك حكمة،ولم يكن هذا هو الموقف الوحيد الذى استمتعت فيه بصحبة طفلة، هنالك أيضصا يوم قابلت دان ووالدتها التى عرضت علىّ توصيلة، دان الجميلة أخذت تقص علىّ ما غنت فى حفل المدرسة "أنا اسمى مفتاح صول"،ثم تلك الأغنية الفرنسية التى تحكى عن الأعداد،ولعبنا لعبة أن نشاور على الأشياء التى لها لون بعينه ذاكرين لون الشئ بالفرنسية التى تدرسها الفتاة،كل هذا بينما والدتها تبدل شيئًا ما بالمحل،و هنالك تلك الطفلة التى كانت تقودها أمها فى عربة الأطفال والتى ابتسمت لى وشاورت بأصابعها أن وداعًا،وقالت جملة ما لا أذكرها، رغم أننى لم يجمعنى بها سوى التواجد على ذات الطريق.
ربما لدى سبب آخر لحب الأطفال وحب التعامل معهم،ربما لأنهم ذوى فطرة سليمة، ربما لأنهم يفهمون ما تشعر به دون أن تتكلم،وحتى لو تكلمت وأعربت عن حقيقة شعورك التى لا تخامرك أدنى شك فى حقيقته حتى لو كنت لا تشعر بأى شئ،سيفهمون سيصدقون كلامك كلية،لن يكون عليك سوق الأدلة والبراهين، لن يكون عليك أي شئ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق