لسبب غير مفهوم، لم أرد أن أغادر المنزل أمس، وحتى ترتيب العمل الوحيد تأجل، كنت على أهبة الاستعداد للخروج ومواجهة العالم، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، أقرر أن آخذ قيلولة حتى ولو تخطى الوقت العصر، أغفو وحين أستيقظ تعلن نتيجة الانتخابات، أعرف أنني لا أريد أن أتابع، أقرر أنني سأقرأ شيئا ما حتى يصل أهلي،لا أملك في القاهرة تشكيلة كبيرة من الكتب لأحتار:
لا لن أكمل الآن الكتاب الذي بدأته عن الفقر،
ولا قصة reddit
تطل يوتوبيا على الرف وقد أهدتنيها أميرة ونسيت ذلك تماما،
أعرف أن قرائتها ستعكر مزاجي وتدخلني في نوبة اكتئاب أكيدة
أقرر في نهاية المطاف أن أكمل الكتاب الذي بدأته منذ عدة أيام، فالترجمة رشيقة على كل حال.
أقرأ فيها قليلا حتى يصل أهلي، نجلس معا قليلا قبل أن يقترح أخي أن نشاهد فيلما ما، بعد حلقة the big bang theory،
نمر على لائحة الأفلام على جهازه، يسألني: ما اسم الفيلم الذي أردتي مشاهدته؟ أشير على The lobster
أسأله هل تعرف ما هو؟ انه السلطعون، أشهر أطعمة بوسطن، لم أتناوله هناك، فلم نكن جوعى حين مررنا بسوق كوينسي،
لا أعرف القصة، ولم أشاهد إعلان الفيلم، لكن أميرة رشحت لي الفيلم بعد أن أهدتني الكتاب في آخر لقاء لنا بالقاهرة، كنا في المترو حين فعلت، أذكر جيدا ما قالته، رشحت الفيلم لأنه مختلف، ولأنها تعرف أنني أحب الأفلام التي تطرح فكرة جديدة أو تسائلا، مع بداية مشاهدتي الفيلم، قررت أنني سأخبرها أنني أفعل، أتصل بالانترنت، لأجدها تسبقني برسالة تنعى فيها أحمد خالد توفيق، لا أصدق ولا أخبرها عن الفيلم حتى أتأكد، فالخبر ذاع، أخبرها عن الفيلم، وأتابعه بمرارة، يخبر البطل عن أنه يختار أن يكون سلطعونا في حال فشل في إيجاد شريكة له، تسأله صاحبة النزل عن السبب، يجيب ببساطة: السلطعون يعيش مديدا لحتى يبلغ مائة عام، وأنه يظل خصبا طوال فترة حياته، هذا ناهيك عن أنه من ذوات الدم الأزرق، فهو ارستقراطي وطبعا يعيش في البحر، لحظتها انبهرت باختياره كما انبهرت صاحبة النزل قائلة: اختيار موفق، فأغلب الناس يفضلون أن يكونوا كلابا، الآن وأنا أنقر هذه الكلمات أذكر الآن أنني منذ عام كتبت التالي:
ساعتها كنت ماشية مزأططة
بحضن السما
بعينين مفتوحين
وبرقص فالس مع أمواج البحر
محدش كان شايفني
ولا حتى حد كان سامع الموسيقى
اللي كنت بسمعها
يومها قررت أكون سعيدة
كنت حرة وبرفرف
يمكن الاحساس مادامش كتير
بس جايز ساعتها
كنت عصفورة
طايرة من الفرحة وبزقزق
دلوقتي أنا فاكرة كويس
إني قبلها كنت فيل
بيدب ع الأرض بقوة
مش لأنه تقيل
بس لأنه شايل هموم الكون
فوق كتافه
مش مستسلم
ومش عدواني
بس مستعد يخوض أي معركة
بس عشان يزيح هم
من همومه من فوق كتافه
وقبلها أنا كنت شجرة فل
بتزهر وتهدي وردها
لأي حد مهموم
كأن ريحة الفل سحر
يطير أي هم
روحي بتنسخ نفسها في كل لحظة شكل
بس النهاردة أنا نهر
مش عارف يجري في أي أرض
بس بيحفر طريقه
مش مهم أي اتجاه
هيمشي
طول ما على جنابه هيكبر زرع
والآن أعرف أنني لا أحب قصة الفيلم، لأنها لا تختلف كثيرا عن يوتوبيا، هي قصة عن الديستوبيا، ديستوبيا من نوع آخر، حيث لا يكون مسموحا لأحد أن يعيش وحيدا، ومن يفعل يتحول إلي حيوان من اختياره، فالفرضية أن في عالم الحيوان، لا حيوان يعيش وحيدا، أما المتمردون فيعيشون فراداى ويمتنع عليهم الارتباط، فهم يعيشون في ديستوبيا من نوع آخر، والمفارقة أن الجميع يتعاملون مع حالتهم أنها يوتوبيا مثالية، ومن يقرر أن يعيش بشكل مختلف يعاقب من الجماعة التي يعيش وسطها، الآن كمثلي تدركون سخرية الموقف الذي أدركته حين ذهبت للنوم، لقد هربت من قراءة يوتوبيا إلى مشاهدة ذا لوبستر، لكن ما آلمني حقا، أنني خذلت صاحب يوتوبيا ربما في لحظة كان علي أن أتمسك به أكثر، ربما لو كنت قرأت الكتاب للمرة الثانية لكان تمسك بالحياة لفترة إضافية، فكرة ساذجة، أعرف، وربما تغمغمون الآن: يا لها من فكرة مجنونة، لكن أرى الآن الاحتمال قائما، ربما لو كنت قرأت شيئا من الكتاب، لكنت فكرت في إحدى التفاصيل، وأردت إجابة ما عليه، وربما أيضا اتصلت معه بالتليباثي، ولو أنني ذكية كما أدعي، لكان السؤال سيكون وجيها ليجعله يتمسك بالحياة أطول، لا ليجيب سؤالي التافه، بل ليغمرني بلطفه ووداعته بإجابة بسيطة وربما بدعابة بسيطة يمسح كل الضيق الذي يعتريني، وإن كانت المزحة سوداوية، لكن لربما أنا خذلته قبل ذلك بكثير، حين لم أكتب حتى مسودة البريد الالكتروني التي تحمل عنوانه، تلك التي تكمن في صندوقي منذ سنوات، تحديدا منذ صدور كتابي مع صديقتي: صباح ومسا. لم أرد أن أسعى ل validation،و لا أعرف كيف أترجم هذه الكلمة، منه، لذلك لم أرسل لا الكتاب ولا الرسالة. أنا لا أحمل نفسي فوق طاقتها، لكن ربما ألومني على عدم اتصالي بأكثر الأشخاص وداعة وحنكة، ربما هو الندم.
ورغم كل هذا لا يمكنني أن أغفل كل الرمزية التي تحوم حول رحيله، أن يتوفى في ذكرى توقف قلبه الأولى عن العمل، مؤكدا فرضية السيزيفية التي أؤمن بشكل كبير بصحتها، وهي أن أحداث حياتنا تتكرر وتتناسخ، ونخضع لذات التجارب والخبرات بطريقة أو بأخرى وربما نعيش نفس النسخة من القصة ما لم نسع جاهدين لتغيير كيف نتفاعل مع ما يحدث، الرؤية الآن أوضح لي. ونعم، يمكننا النظر للموقف برمته برومانسية شديدة: هو لم يحتمل المزيد من الهراء في هذا العالم، فتوقف قلبه عن العمل ورحل، بكل هذه البساطة. لكن ستبقى ذكراه، وما يمثله خالدًا كاسمه الذي له منه أكثر من نصيب!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق