-1-
اليوم وفى رحلة عودتى للمنزل مستقلة القطارحدث الكثير مما يستحق التدوين،سواء عن سياسة الكلام أو عن كلام السياسة ،تبدأ الحكاية باتخاذى مكانى و تفكيرى فيما قد افعله أثناء هذه الرحلة، كنت مرهقة جدا للحد الذى لا يسمح بأن أكمل قراءة الكتاب الذى فى حقيبتى،وكذا لم أكن أقوى على الكتابة،حيث سيطر علىّ صداع لم أعهد به خبرا ،وتصفح الانترنت من الموبايل هو أنسب ما يمكننى فعله ولكن جهازى العزيز نادر خذلنى كعادته مؤخرا،اذن لا فقاعة صابون أغيب فيها عن الزمن حتى وصولى للمنزل ،اذن هو اللاشئ ،سأستمتع بالنظر من النافذة التى يصدف أن مقعدى بجوارها و أنعم ببعض الهدوء الذى دوما يسود القطار، وهكذا أسندت رأسى على زجاج النافذة بينما القطار ينتظر بقية الراكبين،وحينها جلست على الكرسى المجاور لى ،سيدة ملامحها و هيئتها أخبرتنى أنها مسيحية،ولم أكن لأعير ذلك انتباها الا انها أشارت لذلك أثناء حديثنا المتقطع والسبب الرئيسى لكونه على هذه الصورة هو عدم قدرتى الفعلية على الكلام،فمابالكم بملاطفة سيدة تشعر بالملل من فكرة مجرد جلوسها فى القطار من القاهرى للاسكندرية ،وهى كانت تعلم ذلك ،فأحضرت معها مؤنتها من الذرة المشوية و أخذت تتناولها ،عزمت علىّ ،شكرتها ،قالت "ذاهبة للاسكندرية؟
أجبتها:"بل طنطا،حضرتك رايحة اسكندرية؟"
"أجابت ،نعم
"الطريق طويل ،الله يعينك"
"رايحة عند بنتى،أصل الاتنين و التلات أجازة عندنا فى المدرسة،فقلت أروح،مين عارف اسكندرية مش هتبقى أمان بعد كده!
سألتها متعجبة "هو فى ايه فى اسكندرية؟"
قالت "مهو خلاص الاخوان والسلفيين كسبوا الانتخابات"
"طب مهو كده فى كل حتة؟!
"شكلك مقريتيش أخبار النهاردة"؟
كنا الثانية ظهرا و كنت تفقدت ما يجرى فى البلاد صباحا عبر تويتر :فأجبتها بلا
قالت :قالوا لو لقوا اى ولد ماشى مع بنت هياخدوا موقف"
"على أساس انهم مين فى البلد، فى قانون!"
لم تعلق!
"آه تقصدى عشان دخلوا البرلمان يعنى فهيغيروا القانون؟!"
"آه دول حرقوا الصناديق عشان يكسبوا"
تعجبت لجملتها،فكأننى لم أتابع لحظة بلحظة على التلفاز و تويتر و غيرها ما يجرى!
سألتها:"فى كل مكان و لا أماكن بعينها؟"
"أماكن بعينها!"
لم أسألها أكثر اذ لم أقو على الكلام ، بينما علا صياح اثنين من الركاب،و بداخلى تمتمت "هدوء من فضلكم /عندى صداااااع!"
-2-
كان الراكب الأول يتحدث فى الهاتف بصوت عالى مزعج بالفعل بالشكل الذى يجعلك متابعا كل ما يقوله رغما عنك كان يقول "يا محمد افتح الدرج التانى او التالت هتلاقى فيه تذاكر السبوع الجاى ،خمس ورقات متدبسة فى بعض،دور بس و أنا معاك"..حينها نبهه الراكب الآخر و قال "ممكن تتكلم بره بين العربيات،انت عامل ازعاج " "ازعاج ايه؟ هو انا مشغل اغانى،انا بتكلم فى التليفون" "اه وصوتك عالى و عامل لى ازعاج ،ومن حقى أقول لك كده!!" "لا مش من حقك" "لا من حقى ،ايه السماجة دى؟"..وهنا هاج الأول ولكنه فيما يبدو كان ما زال يتكلم فى الهاتف ،فخرج بالفعل بين العربات،اذ بدأ صوته وهو يحادث محمد فى الخفوت، كانت المرأة بجوارى قد انتهت من الذرة المشوية ،الا انها أخرجت كيسا آخر و عزمت علىّ قائلة "ذرة أسبانى محمص جديد لسه..جربيه؟" "عذرا أنا متوعكة قليلا " "طب بس جربيه" جربته فقط لأثبت لها شيئا واحدا أننى لا أمانع أن أشاركها أى شئ "لطيف فعلا" "طب خدى شوية" "صدقينى مش قادرة"..وبعدها عاد صوت الراكب صاحب التليفون يلوم الآخر على ما فعله معه،و احتد بينهما الكلام الى أن قام أحد أبناء الحلال بالفصل بينهما،وقد ذهب صاحب الهاتف الى عربة أخرى ،بينما أخذ الآخر يوضح لباقى الركاب أن "السماجة هى ثقل الظل" وقال أحدهم "آه يعنى جلياط"،رد عليه "لا دى درجة أعلى ..هى بتساوى صفيق،أما سمج من سمك الجلد العرب سموها كده من هنا" وبعدها صمت وقلت علىّ سأحظى ببعض الهدوء و قد أغفو قليلا رغم أننى لست ممن يغفون فى المواصلات ،ولكن رائحة المبيد الحشرى الذى يستخدمونه مع رائحة الذرة المحمصة قد تكون عائقا فعليا و لا أعرف لماذا سآلت نفسى "أنا أدركت أنها مسيحية بسهولة،قصة شعرها المميزة لا تجعلك تخطئ،انما هى كيف عرفت أننى لست من السلف أو الاخوان؟،لست من السلف لأننى لست منتقبة،ولكن ما فى هيئتى أخبرها أننى لست منهم؟،لى أصدقاء عدة لم أكن لأعرف أنهم من الاخوان لولا الحوار!
-3-
أدركت أننى غفوت قليلا حينما نبهنى صوت الكمسرى سائلا عن التذكرة،أخرجتها،وكنت على وشك الاستسلام مرة ثانية لسطوة النوم،الا أن صوت صياح آخر منعنى،وهذه المرة كانت سيدة كان موظف الشباك حجز لها و بنتها تذكرتين من طنطا الى الاسكندرية بينما هى استقلت القطار من بنها،والكمسرى يطالبها بدفع الغرامة ،وهى تحتج قائلة بأعلى صوت لها "هو مقاليش ع الشباك،انا مش دافعة حاجة،المفروض هو اللى يتحمل الغلط ده "و ظلت مصممة على موقفها لحين أتى كالعادة ابن حلال وجعل الكمسرى يتغاضى عنها،بالطبع ضحكت السيدة الجالسة بجوارى و قالت "هى ذنبها ايه؟ هو اللى مقالهاش ع الشباك""الحقيقة صوتها هو اللى صحانى كنت نمت!" ،ذكرت ذلك لأننى كنت أضع نظارة الشمس ،لتعرف فقط سبب انقطاع الحوار،وسمعنا أحدهم يوبخ الكمسرى قائلا:"انت كنت طيب و اتنازل،بس فين حق الدولة اللة انت تغاضيت عنه؟!واللى انت مكلف انك تحصله؟"أحس الكمسرى أنه أسقط فى يده فلم ينطق!،بينما أعجبنى هذا التعليق كثيرا أخذ صاحبه اكمال كلامه"كان حقك تنادى لها الضابط اللى معاك ع القطر،هو مش فى شرطة ع القطر؟"،رد الكمسرى"لأ" ،"و لا حتى مخبر؟،عايز تقولى ان القطر ده مفيش مخبرين؟" وتعالت أصوات حول هذا الرجل تقول "يا عم سيبه مهو حسنى مبارك قعد يسرق البلد 30 سنة كان حد قاله فين حق الدولة ؟" ،بينما التفت السيدة الى جوارى الىّ قائلة :"مهو القطر مليان شرطة وجيش و مش بيدفعوا يعنى هى جت عليها؟" ،لم أرد، قالت "فى ناس كتير بتفكر تهاجر!"،"مهما نفسهم اللى كانوا بيفكروا فى كده قبل الثورة!""لأ زادوا كمان دلوقتى ""ان شاء الله بكرة أحسن" "صح عشان اللى عند ربنا أحسن من الذل اللى عند اى بشر"، ابتسمت و عدت لخطتى الأولى بالنظر من النافذة ،وقد كانت أفضل خطة،اذ كانت أشعة الشمس تخترق السحب بشكل ساحر تذكرت حينها أننى قرأت بيتا للشعر يعبر عن هذا المشهد لم أذكره و حتى الآن لم أفعل و لكن المشهد لا ينتسى!
سأترك لكم التعليق على كل ما يحوى مما قصصته من ساسة الكلام و كلام السياسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق