"يمكنني أن أمكث في المنزل فترة طويلة جدا وحدي تماما طالما كان لدي كل ما أحتاج إليه"
كان هذا ردي على صديقتي التي سألتني عن حالي، وكان تفسيرها للحاجة للخروج هي أن ترى الأشجار وتشعر بالطبيعة، حينها أدركت أنني ممتنة جدا لنواة الحديقة التي بدأتها منذ عام تقريبا، وكان لابد لي أن أشارك هذه القصة التي تعتمل في صدري منذ بداية هذا العام.
منذ عام، كنت أشعر بضيق شديد ولاجدوى لعملي، وهو شيء لو تعلمون عظيم، وددت حينها أن يكون لي أي شيء أتطلع إليه، السفر كانت فكرة تروادني منذ أغسطس ولكن حال دونها ظروف كثيرة، ولأنني أحب الأفوكادو، وأشتريه باستمرار، ففكرت: لم لا أزرع بذرة؟ وبالطبع أجابني جوجل بأن الأمر بسيط ولا يتطلب مجهودا كبيرا، فبت أتبع الخطوات البسيطة مع كل بذرة جديدة، وأنتظر، هل قلت أن وضعت هذه البذور على منضدة بغرفتي بالقاهرة، وكان وجودها هناك محل تساؤل من صديقاتي، هل الأمر مجد؟ متى ستثمر أي بذرة من هذه البذور؟ كانت ردودي أن الموضوع سيستغرق وقتا، ولن تثمر أي بذرة إلا بعد خمس سنوات على أقل تقدير، وفي أواخر إبريل كان سفري القصير إلى كينيا، حيث عدت بقبضة من تربتهم كما طلبت صديقة لي، قلت لنفسي حينها ربما سأزرع فيها شجرة أفوكادو تنبت من البذور التي تركتها، حين عدت من السفر في مايو، كانت البذور كما هي، وكيف يطرأ أي تغيير ولا ماء في الأواني الصغيرة، فواظبت لشهر أو اثنين على متابعتها، حتى لمحت يوما ما يشبه جذر صغير ينبت، وكنت حقيقة في أشد الحاجة لأي أمل، بدأت حينها أهتم أكثر بالبذور خاصة والحرارة تشتد والماء ينضب أسرع، بدأت أتابع تطور الجذور لحتى كانت فرحتي غامرة حين لمحت بوادر وريقة خضراء. حدث هذا مع بذرتين من أصل سبعة أو ثمانية.
يحل أكتوبر، ولدي نبتة صغيرة وأخرى تحتذي خطوها، وأنتقل إلى سكن جديد، وقلقي الوحيد ألا تتأقلم الصغيرتان على الظروف الجديدة من شمس أقل حدة لكنهما تصمدان، وحينها قررت أنه حان وقت أن أغرس هاتان النبتتان في التربة، فخلطت ما أحضرت من كينيا بتربة أخرى مصرية وغرستهما، فنمتا ليتعدى طول أحدهما المتر والأخرى أقل من المتر قليلا.
والحقيقة أن هاتان النبتتان كانتا السبب في إبهاجي في أيام مظلمة كثيرة، حيث لم أبذل جهد كبير، كل ما كان علي فعله هو أن أؤمن أن شيئا سيحدث وأن أوفر ظروف مواتية بسيطة، أنا أعتبر أن لدي الآن حديقة صغيرة في غرفتي، درتاها هما هاتان الشجيرتان، تسليهما ساق من البامبو، بينما ثلاثتهم قدوة لبذور أفوكادو أخرى، وجذور جزر وكرفسة وبصلة خضراء وأعواد من النعناع. نواة حديقة كما قلت، لكنها تسري وتسلي أيامي حتى قبل هذه العزلة الإجبارية. في ديسمبر وددت لو أكتب عن هذا لكن طاقتي كانت مستنفدة كلية. أنتبه الآن أنني لم أسم أي منهما كما لم أسم الكمان، لم أنتبه لذلك إلا حين سألتني معلمتي عن اسم الكمان، أطرقت حينها من المفاجأة، ولكن هذه قصة أخرى، فالآن أسميهما: ثريا ودلال.