السبت، أكتوبر 25، 2014

رسالة إلى ك...... 2

عزيزي نيكوس:
لم يمر شهر على رسالتي الأخيرة لك، تلك التي أبدو فيها كانسانة متزنة وعاقلة، لكن هذا لم يعد ساريًا عليّ الآن، وانت احد أسباب ذلك أيضًا، كنت أقرأ ببطء كتابك تصوف، كان معينًا لي في خطواتي الجديدة، والآن اتراجع عن كونه سببًا مباشرًا في ما أنا ليه، أنت تعرف أن انطباع القارئ عن أي كتاب وتأثيره عليه يتفاوت بتفاوت حالته النفسية والظروف التي قراها فيها، فلنقل أنني كنت لى ما يرام تمامًا، لبنى تشهد على ذلك، ربما كان هناك مؤرقات لكنها لم تعد تكدرني وتقلقني، لكن بعد لقائي بها، بعد لحظتنا الأبدية معًا، تمنيت أن أحظى بلحظات أبدية مع شخص بعينه، لم اتصور أن تتحقق أصلًا أمنية كهذه، وهذا في حد ذاته جعلني أعرف أنني في أمان، حتى تلك البرهة التي لاأصدق أنها حدثت حتى الآن، حينها كل ما عكرني هو الشور بالاختراق، أما الآن فالأمر مختلف تمامًا، تذكر كيف قلت لك أنني خارج الحب إذا صح القول، يبدو أنني كنت أخدع نفسي، ربما توارى الشعور، ربما فقط كنت ملهاة في خطة السنوات القادمة، ربما أشياء كثيرة، ربما أيضًا شعوري اتخذ منحى مختلف، أكثر استقلالية وأقل اعتمادية، ربما يبدو كلامي غريبًا وخاليًا من التنميق، لكن الأكيد أنني من الآن سأتبع النصيحة التي تقول:
Be careful for what you wish for

أعود إلى كتابك الذي قلت فيه:
"لو انك امرأة، اتجه صوب الحب واختر بجهد وتبصر مضن من بين كل بني البشر والد أبنائك. لست انت التي تختارين وانما ذلك اللامتناهي، الذي لايتحطم ولا يعرف الرحمة، ذلك الاله الذكوري الذي بداخلك. أنجزي واجبك كاملًا.أنجزي واجبك المجتشد ."بالمرارة والعشق والشجاعة
أقرأ وأبكي ربما لأنني ومن وجهة نظري أديت واجبي كاملًا ، لم يعد في مقدوري بذل المزيد، لم أد أستطيع التغلب على مخاوفي، بل ولم يعد لدي رغبة في بذل المزيد، لأن لاشيء يتغير، وليست المشكلة في ذلك بقدر ما هي ،مسألة اللا حل، اللافهم، اللاشيء!
أعرف الآن أن كل ما يهمني الآن هو الهرب، من هذا الزمكان بكل تفاصيله المرهقة على كل المستويات، وددت لوهربت غلى زمانك مثلًا، صحيح أن الأمور لم تكن أفضل،وصحيح ان هذه ليست المرة الأولى التي أفكر فيها في الابتعاد، لكن الأمور هذه المرة أكثر جدية،لذلك وددت لو أنك جالس أمامي، كأبٍ نتحادث ونتكاشف كما لا أستطيع أن أفعل، وتفاجئني هيلين بقولها عنك
"لم نفعل أي شيء لنمن أنفسنا من الانجاب، إلا أننا لم ننجب، ربما كانت حالتنا الصحية هي السبب، لكن نيكوس اعترف لي ذات يوم بانه لو كان خلف بنتًا فانه ما كان ليستطيع أن ينام نومًا هادئًا، ولكان حاله مثل الكريتيين المتقدمين في العمر، وكان سيسأل "متى عادت؟"و "الى أين ذهبت ومع من؟" ولجز عن الكتابة لانشغال عقله بها.كان سينزعج لأسباب أخلاقية، ويتحول إلى كريتي حقيقي. لقد اعترف لي بكل هذه الأشياء التي لا تصدق."
بعد قولها ذلك لم يعد بامكاني التكهن بردة فعلك، ولا بمشورتك ليّ، لقد أصبت بخيبة أمل كبيرة، حتى في حلم صغير جدًا أن تتفهمني، وهل تعرف ما المثير للسخرية؟ ان هنالك الكثيرين من البشر يتخذونني أيقونة لصفة ما، الأمل، التفاؤل، السعي!
لو يعلمون كم هم مخطئون بحقي؟
وأكذب لو قلت أن كل ما يضايقني شخصي بحت، خلال الأسابيع الماضية كنت قد اختبرت مواقف لم اتعرض لها من قبل، وكادت كل المثل التي أؤمن بها تنهار، لكن انفراجة ما حدثت وتعدلت الأمور، لتسوء من نواحٍ أخرى، وعلى أصعدة أخرى، صحيح أنني كنت شبه معزولة عن كل ذلك الزخم، لكن هنا أيضًا مشكلة أن تشعر أنك مغيب تمامًا عن كل ما يدور حولك، ولو كان هذا باختيارك، فمن منا لم يسأم سقوط المزيد من الشهداء؟ من منا لم يسأم الفساد بأشكاله وصوره؟ من منا لم يسأم الوعود البراقة والكلمات المداهنة؟

آسفة على كتابتي لك وأنا على هذه الحالة، ولكن أعدك أنني سأصير على ما يرام، قبل لي هيلين..

الأربعاء، أكتوبر 22، 2014

هالويين

لا يحتاج الاحتفال بالهالويين أزياء مميزة ومكياج مخيف كما تفنن طلبة الجامعة في محيطي الحالي، الأمر أبسط من ذلك بكثير، على الأقل لي ، وابتدأ الأمر من أمسي، كنت في طريق عودتي للسكن بعد إنهائي مهمة عاجلة وسريعة،كنت قد أرجأتها ستة أشهر كاملة لسوء فهم ما ولكن الأشياء تحدث متى ينبغي أن تحدث، ركبت الميكروباص في الطريق الذي أسلكه لأول مرة لألاحظ أن غريبًا يحدق بي، تجاهلت الأمر مرة، لأنتبه أن نظراته تخترقني كما لم يحدث في حياتي، لا أتذكر الوجه ولا الملامح، حتمًا لا أعرفه، لم يضايقني الكرسي المهتريء الذي أجلس عليه، ولا صعود الركاب المرتطمين بالكرسي وبي، لاشيء من هذا ضايقني، لكن الشعور بالاختراق والتهديد جعلني أدمدم، وددت لو ترجيت السائق لينطلق بأقصى سرعة، وفي الطريق الذي لم يطل قفز إلى ذهني احتمال لاأصدقه، هل من الممكن أن يتحقق ما كتبت عنه الأسبوع الماضي ولو على سبيل الصدفة؟
الفكرة والاحتمال بدوا جليان في الصباح حينما سكبت عن غير قصد كوب الشاي باللبن الذي لم أنعم منه إلا برشفات قليلة! 
حاولت التلهي بتنظيف الفوضى التي أحدثتها، وهرعت بعدها لكي ملابسي التي لم تنعم بما كان مقررًا لها، بل بحرق سببه عدم انتباهي أن احداهن عدلت الحرارة إلى أقصى ما يمكن!
وفي طريقنا القصير تعثرت في شيء ما عند المدخل لم أنتبه له بقدر ما انتبهت للحارس يضحك مني، ولم أنتبه لتفاصيل كثيرة في دراستي، لم أكن شاردة في شيء بعينه، كنت تائهة أترك حقيبتي وأرحل، أفتح الشباك وأشغل المكيف، وأنتبه لكل تفصيلة على حدة وأنتبه لتركيزي المشتت، يضايقني كل هذا إلى أن أنطلق في مهمة لم تستغرق وقتًا طويلًا لكنها أسعدتني ، خاصة حينما سألني الموظف: عايزة ترقيم دولي؟
أجبت بأنني لا أعرف ما فائدته..
فأجاب :أنا هعملهولك في حالة واحدة لو هتبعتي نسخة لفيروز..
أبتسم وأغمغم: بس اديني العنوان وأكيد هبعته..
وبعد انتهاء المهمة شعرت بالسعادة لأن الأمر كان أيسر من أن أرجأه لستة أشهر كاملة، لكن كوني أقدمت أخيرًا على الخطوة حدث يستحق احتفالًا لا وقت له الآن على الأقل، لكن ربما طلبة الجامعة المحتفلين بالهالويين عوضوني عن الأمر، ولو أن الأحداث المخيفة لا تتوقف، كأن تباغتني قطة ما منذ لحظات وأنا أكتب هنا وتضع قوائمها الأمامية على رجلي، في وضع هجومي ونظرة باثة للخوف، انتفضت صارفة لها، متذكرة ما قاله لي أخي منذ مدة حين أغلق باب السيارة على إبهامي مسببًا ألم ًا مبرحًا، قال: "أطيلي سجودك والدعاء ليخفف ذلك عنك من وطأة الأشياء الصغيرة التي توجعك، صحيح هي تكفر ذنوبك، لكن للدعاء فوائد لا تحصى"
وربما عليّ العمل بنصيحته بعد كل أحداث الهالويين.

السبت، أكتوبر 18، 2014

ثرثرة 11

أود لو أستسلم للنوم، أجفاني مرهقة وناعسة، لكن ذهني يقظ مؤرق، بين حكايتي العجيبة وشتات حكايا الآخرين الذين تتقاطع طرقهم معي ولو في مفترق طرق، لا تفاجئني اختياراتهم، بقدر ما يفاجئني جرأتهم ولو باتخاذ قرار التراجع! 
أتذكر قول زميلتي "هو ده الانتخاب الطبيعي اللي بيحصل لنا دلوقتي" 
وسؤالي لها: "مؤمنة بإن نظرية داروين حقيقية في حياتنا اليومية؟"
لم تجب عليّ، الآن يتكرر السؤال بتكرر الموقف، ظروف قاسية ترغم صاحباتها لى التراجع عن خطة ثلاث سنوات مقدمة، لأسباب وجيهة في الحقيقة، وليست المشكلة في أنني أفكر في التراجع بقدر ما أفكر في حقيقة ألا عدل في هذه الحياة، ربما هي المساواة في حق الاختيار وتنوع أبواب الرزق، ربما أنا أهذي!
أحاول أن أبهجني قبل النوم بطلاء الأظافر بلون عجيب، بلا جدوى فيما يبدو، والأسوأ أن رائحة الطلاء النافذة إلى أحشائي ستجعل النوم أصعب، وغدي كسائر أسبوعي الماضي متخم، ولابد من أداء كل المهام المؤجلة، لكن هذا كله لا يؤرقني بقدر سؤال لا جواب له: "لماذا ليس من حقي أن أنعم بلحظة أبدية مع من أحب كتلك التي نعمت بها مع لبنى الأسبوع الماضي؟" 
السؤال الذي باغتني كثيرًا في قطاري للمدينة التي لن أسمح لها أن تقهرني، ولو أحسست بانهمار دموعي!

ربما هي ليست ثرثرة كعهدي بها..

الخميس، أكتوبر 09، 2014

ثرثرة 10

كان يومًا عجيبًا غريبًا مريبًا، بدأ بإن أقلتني سيارة أجرة للمحطة، فاجأني السائق حين توجهت للمقعد الخلفي بأن اجلسي هنا في الأمام، وحين فتحت الباب الأمامي انتبهت أن المقعد الأمامي قطعة واحدة كالأريكة، ارتبت خاصة والساعة لم تجاوز السابعة صباحًا، بيد أن مظهر السائق وكلماته طمانتني، كان كهلًا يرتدي جلباب خاكي اللون وقبعة تشبه قبعات الاندونيسيين، وله لحية بيضاء خفيفة، حين ألقيت عليه السلام، لم يكتف بالرد بل زاد عليه قائلًا: "ربنا يحنن عليكي يا قلبي، وييسر لك الخير..وكل سنة وانتس طيبة..." وكلمات دعائية أخرى لا أذكرها، فقط علق بذهني ما قاله عند وصولي وجهتي:" تروحي وترجعي بالسلامة وربنا ييسر لك الخير"..وددت حينها لو سألته هل تعرف إلى أين أنا ذاهبة، وعلام أنا مقدمة في الأيام القادمة، لكن السكينة التي استشعرتها كانت أعمق من أن أتعطل وأروي فضولي، وجدت القطار في انتظاري على الرصيف، جلست في كرسيّ الذي كان قد ضبطه أحدهم ليواجه الصف السابق له فيجلس الأربعة متواجهين، وهكذا صرت أرى الصفوف التي كان من المفترض أن تكون خلفي وصارت أمامي، وصرت أرى بوضوح السيدة التي تجلس وأطفالها في أول صف بالعربة حيث يفصل بيني وبينها صفان، تعجبت من خواء العربة من المسافرين، وتذكرت أن الكثير من الناس اعتبروا باقي الاسبوع متممًا لأجازة العيد، وتوجست أن هذا ربما يعطل مصلحتي اليوم، لكن التهيت بالكتاب الممل الذي كنت أشرد كثيرًا أثناء مطالعته، وإحدى شروداتي كانت بسبب ما تناهى إلى سمعي من ترتيل ابن السيدة السالفة الذكر قائلًا:" وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا" أظن أنه يرتل يس، لكن ما تلاه فيما بعد كان دعاء من كان مقدمًا على أمر جلل، تذكرت السائق، وقلت لنفسي:" الله يجري رسائله لكِ على ألسنة عباده" وكنت لحظتها أرمق الطفل بعجب نبه أمه فطلبت منه أن يخفض صوته، بينما أخبرته أن دعيه، أكمل الفتى ترتيله الذي لم يصلني منه شئ بعدها، والتهيت بكتابي مرة أخرى إلى أن انتبهت ونحن على مشارف القاهرة أن السيدة غادرت، وأن القطار أخرني عما توقعت، وإن كنت لم أعد أتذمر بشأن الأمر، وصلت وجهتي القريبة من ضريح سعد حيث لم استطع سوى الاشارة اليه والدعاء، وبعد المرور على أكثر من موظف أدركت أن لا شئ يمكنهم تقديمه لي، وعليّ العودة فورًا لطنطا حيث الكثير من الاجراءات التي لابد أن أنهيها اليوم، كنت قد وصلت المحطة قبل نصف ساعة كاملة من موعد أول قطار، وكالعادة دلفت إلى ألف، ووقفت بعدها أتأمل اللوحة التي لابد أن تعلن عن وصول القطار  لتعلن عن تأخرع ربع ساعة كاملة وبسؤالي عرفت أنه قطار الصعيد،ودومًا قطارات الصعيد تتأخر أكثر من ربع ساعة،والبديل الذي أعلنته الشاشة كان قطار غير مكيف وتوقيته هو ذات توقيت القطار بعد التأخر المفترض، انتظرت لخمس دقائق قبل الموعد، وحين لم أجد بدًا من عودتي الفورية توجهت للقطار الذي أكره، وليست المشكلة في طقس هذا القطار بل رائحته،وسلوك  من يركبونه، كان أبي قد حثني طوال سنوات سفري على ركوبها بديلًا على الانتظار، وآخر مرة سافر فيها وحده للقاهرة ركب أحدها وأنا أخبرته أنه سيدفع غرامة كبيرة لي إذا ركبه مرة أخرى، لأنها غير انسانية بالمرة!، وفي طريقي للقطار تذكرت كل ذلك، وأنني حين أحكي عما حدث سيسخر مني وينتقم، وقبل أن أصل للقطار أنقذتني الاذاعة الداخلية التي أعلنت وصول القطار الكتأخر على رصيف آخر، هرعت إليه وأنا أحمد الله، خاصة بعد ان اكتشفت أن القطار لن يقف سوى في طنطا مما يعني أنني ساصل في غضون ساعة واحدة، وبين القراءة والتفكير فيما يجب أن أفعل، وطنت نفسي على أنه لن يسير كل شئ بالسلاسة التي أتخيلها، لابد سيكون هناك معرقلًا ما، لكنني سأحاول الوصول لمرحلة بعينها هي هدفي المنشود في الساعتين المتبقيتين من يوم العمل، صحيح ان الزحام اشتد بالفعل وعلي الذهاب للمشفى لأحصل على أول خيط اجراءاتي كانت زميلة عزيزة أعدته لي بينما أنا في رحلة العودة، لأهرع إلى المصالح الأعلى ليوافقوا على طلبي، مشى كل شئ بسلاسة تامة ، وبقيت لي خطوتين على هدفي،وهي بين مصلحتين في منطقتين مختلفتين، يخاطبان بعضهما، ووعدت من المفترض أن يكون الأخير أنني لن أستغرق أكثر من نصف ساعة قبل أن أعود له، كان واثقًا انني لن أنهي أوراقي اليوم، وكنت واثقة انني سأحاول أقصى طاقتي، وهكذا عدت للموظف المسئول حين لمحني اخذ يبحث عن شئ على المكتب أمامه، وأنا أسأله عم تبحث؟ ولايجيب، فتح درج مكتبه وظل يبحث،ثم أغلقه/ وعاد للبحث على المكتب أشرت له على عويناته والمحمول والقلم، ولم يكن هناك شيء آخر، حتى أخرج الولاعة واشعل بها سبرتاية صغيرة تحت المكتب لعمل القهوة معللًا: "أصلي مشربتش قهوة من ساعة الصبح" ابتسمت مغمغمة أنني أفهم الشعور، أحالني بعدها لأقسام اخرى لتوقيعات ضرورية اتممتها جميعًا في عشر دقائق وعدت لأجده يقلب قهوة جديدة، تعجبت وسألته :"لسه معملتهاش؟" قال:"لا دي واحدة تانية اصل مديري طمع فيها" وراجع الأوراق ثم بدأ يكتب الورقة التي أنتظرها، ليكتب "محمد جلال الديم" لم أعلق حتى سألني عن الجامعة التي أدرس بها فقلت :"أنا مش محمد، أنا داليا واضح انك محتاج قهوة فعلا"، غير الورقة ليخظئ في اسم الجامعة الذي أمليته بوضوح، ليغير الورقة ثانية، العجيب أنه لم يبد عليه أي أثر للشرود أو قلة التركيز، حتى أخيرًا أنهى الورقة ووقع عليها وطلب مني أن أوقعها من مديره وأعود له، وكان المدير على وشك التوقيع لولا أنه منعه لأنه يشك في أمر شيء وأخذ الأوراق جميعًا معه!
عدت لأسأله عن الأمر تعلل بأنه بحاجة لأصل ورقة ما، واستعان بزميلة له وأكدت الأمر، قلت لها أنني سأحرص على أن يصلهم الأصل يوم الأحد على أن يتموا لي الأوراق الآن،  لكن لاحياة لمن تنادي، أخرج ثائرة بينما زميل لي لا أستبشر به إطلاقًا يحاول تهدئتي ، شكرته في حدة لأحادث أمي في الهاتف، حكيت لها ما حدث وبينما افعل سألتني عجوز ما لطيفة عمن يتولى مصلحتي، شكرتها لأنني سانهي الأمر اليوم كما ظننت، في حين اشارت عليّ أمي بالرجوع لموظفة تعرفها ربما تيسر الأمر وتضمنني لديهم لحين حضور الأصل الأحد، وحين لم يبد هناك بديلًا عن ذلك قررت الرحيل، وترك مجمل الأمرلأمي فهي تعمل بالمكان وما عطلها عني غير اجتماع ما هام، لقيتني العجوز وأنا أهم بالرحيل، فأوقفتني وقالت: لو أستاذ أحمد راضيه هو مش بييجي غير بكدة، أنا بنتي زيك كده فضلت سنتين مدوخها ع الورق وجبنا ناس كبار هنا ومفيش فايدة " وفي تلك اللحظة خرج ابنها الذي كان ينهي أوراق أخته/ فالتفتت اليه :"قول لها عن أ أحمد" فال ببساطة "دخنا سنتين لحد ما راضيته" ، سألته:"وعملت كده ازاي؟" قال:"مرة سلمت عليه والتانية فتح الدرج" ..قالت أمه:"استني شوية لما الدنيا تهدى واقعدي جنبه وراضيه وهو يخلص" ورحلا، بينما أتذكر آخر عبارة قالها قبل أن أغادر المكتب:"كده القهوة بقت مضبوطة!" ..حين راجعت كل الأحداث اكتشفت غبائي الشديد، لقد فتح الدرج ولمح للقهوة، وأنا جاريته بحسن نية متناهية ولاعلاقة لها إطلاقًا بقهوته، لقد أخطأ متعمدًا مرتين في الأوراق لأخرج الأموال، لكنني كنت أصحح له بتلقائية شديدة وثقة، جعلته يظن أنني لن أخرج الأموال إلا حين ينهي الأمر برمته لذلك تراجع وعطل كل شيء، بينما أنا ثائرة وغبية ولن أجاريه أبدًا حتى لو كنت أكثر ذكاء!
وأنا في طريقي للقاء الصديقة لم يسعني سوى التفكير في أن هذا ربما ذنب راكب القطار النائم في مقعد ما في الصف الذي أمامي والذي أشار للكمسري أن وجهته طنطا، وحين وصولنا ارددت أن أوقظه، ولم أوقظه وتركت العربة وأنا متسامحة كليًا مع فكرة أنه بسببي ذاهب للاسكندرية، فلن يتوقف القطار إلا هناك!
أنا مدركة أن كل تأخر هو خير، لذلك فلا بأس، كل القضية أنني أحب أن أنهي أموري كلها بنفسي، ولكن ربما حدث كل ذلك لعلة. وضايقني انفعالي الزائد الذي فاجأ الصديقة وقضى على تركيزي معها تمامًا، لأعود دومًا لنفس القصة!

الخميس، أكتوبر 02، 2014

رسالة إلى ك.......

عزيزي نيكوس:
لن تصدقني إذا قلت أنني أفتقدك، لأننا لم نلتق من قبل، ولأنني لم أعش زمانك أصلًا، لكن الحقيقة أنني رافقتك في أكثر من رحلة في حياتك، رافقتك في ابداعاتك التي لا مثيل لها، كان أولها "زوربا"، فلنقل أنني لم أفتن كثيرًا بقناعات زوربا، ربما كمثلك، وهي أيضًا أصابتني بالدهشة، وهذا لا يتعارض مع كوني أحببت زوربا جدًا لدرجة أنني اقتنيت منذ أيام قلائل نسخة من ترجمة أخرى لذات الكتاب، ولا أنا لم أملك النسخة الأولى، لكتها كانت محاولة صديقة للتسرية عني، ولم أستطع مقاومة إغراء اقتناء نسخة خاصة بي، نسخة أقرأها ما قريب، بينما زوربا يدهشني من جديد، وهذه النسخة بالمناسبة أرهقتني لأنها وما اقتنيت أيضًا كانت بمثابة عبء أثقل كاهلي يومها، لكنه أيضًا عبء محبب وواجب إخفاءه جيدًا، وإلا تعرضت للمعتاد من التأنيب بشأن كتب جديدة!

هل لازلت تتعجب من افتقادي لك؟
كان العمل الذي قرأته لك بعده "الإغواء الأخير للمسيح"، وهذا عمل يجعل من يقرأه يتشرذم، هذا كان شعوري على الأقل، وحين أفكر في هذا الأمر الآن أعرف جيدًا أن السبب هنا ليس براعتك فحسب في الوصف، بل لأنك تدرك كنه النفس البشرية، فترسم جميع نفوس شخوصك بريشة تجعل المشهد أكثر من جلي، تجعل القارئ متعاطفًا مع الجميع بلا استثناء، حتى لو كانت قناعاته المسبقة مبرمجة سلفًا على غير ذلك، وربما لو قرأ أحد الشكاكين رسالتي تلك لنعتك -بما يخالفك تمامًا- بأنك متآمر وعديم الإيمان بل وخطر على قناعات الآخرين! ، ولقد اتهمت بالفعل بذلك مرارًا وعلى طوال العقود وحتى يومنا هذا، ولكن الحقيقة أنك إنسان لا غبار عليه، كنت أعرف هذا حتى قبل أن أطلع على ما كتبته عنك هيلين رفيقتك العزيزة في كتابها البديع "المنشق"..

لقد استمتعت برسائلك لها إلى حد لا تتخيله، وأنا حين أكتب لك الآن، أكتب بناء على طلب منك لها لإن تكتب لك بينما أنت بعيد عنها، لقد قاومت رغبتي تلك كثيرًا لو تعلم، لكن لم يعد باستطاعتي أن أؤجل هذا أكثر، ليس لشئ سوى أنني شعرت بإلحاح أن أفعل هذا الآن، وربما يبدو هذا غريبًا لأول وهلة، لكن الحقيقة ألا غرابة في الأمر على الإطلاق، أنت تفهم تمامًا البشر وستفهمني تمامًا حين أقول لك الحقيقة: لوهلة أحسست أني هيلين وأنك تكتب لي، فلنقل أنني تمنيت أن أكون كنتها في زمن آخر، والحقيقة أن هذه ليست أول مرة اشعر فيها بذات الشعور، الأولى كانت حينما كتبت عبلة الرويني عن الجنوبي أمل دنقل، وقتها عايشت ذات الحالة ولو أنها هنا معك ومعها أعتى، ربما لأنك تشبه إلى حد كبير الصورة الذهنية التي كونتها عن أحدهم، كان مقربًا وحبيبًا إلي، ونعم: كان!
هل تعرف ما في الفعل الماضي من قسوة!
لا تسيئ فهمي، أنا لا أتحسر على فوات الماضي، ولا أحاكمه، ولا أندم على عيشه، ولا أنتظر شيئًا من المستقبل، لكن من يمكنه أن ينكر يا عزيزي أن الحب بكل أحواله:عسلها ومرها، لا يعوض، أن تشعر بالسعادة الغامرة من أشياء جد بسيطة وصغيرة، وكآبة منكرة من أصغر شئ ولاشئ، هذه الحالة العجيبة من التناقض الذي لا يمكن وصفه ولا تبريره، فقط معايشته!
وكما ترى أنا الآن خارج الحب، هذا ما لم أتخيله أبدًا، هل يصح الوصف أصلًا!؟ 
الأدق أن أٌقول أنني داخل اللحظة الراهنة، أنا الآن!
وربما تشعر أن هذه جملة ناقصة، لكنها أكثر تمامًا وبلاغة من أي تعبير آخر، أنا أعيش اللحظة الحالية، اللحظة التي أنقر فيها هذه الكلمات، والتي تتزامن مع رغبتي الملحة في الحديث إليك الآن، وأنت هناك في البرزخ الذي لا يشكل أي مانع من وجهة نظري.
وهكذا فأنا لا أنظر خلفي ولا أتطلع أمامي، لاأحزن من الماضي وعليه، ولا أتطلع للمستقبل وأقلق منه، وهذا ربما يشعرني بجنون تام!
هل يلخص كل ما قلته سابقًا عذاب البشرية الآن؟
ربما!
فالبشرية الآن ياعزيزي تعاني كما تنبأت تمامًا بقرون وسطى ممتدة لمئات من السنوات، وسبب معاناتها هو الحب والزمن، هذا تفسيري المتواضع للأمر، فالبشر إما يعيشون الماضي أو يتطلعون للمستقبل وفي الحالتين إما باحثون عن الحب أو هاربون منه!
وكم من جرائم ترتكب في هذا الإطار ولاأحد يلحظ أو يفهم!
لن يضايقني أبدًا أن ينتعتني القارئ المتشدق السابق ذكره بالجنون، فهذا ما لا يمكنني إنكاره، لكن لا يدرك الجميع الحقائق بسهولة، لا يدرك أحدهم ببساطة أن داعش، مثلًا تطبق نظريتي السالفة الذكر حرفيًا، وأن الحروب في كل الأزمنة أيضًا تفعل!
ولكنك تعلم كمثلي تمامًا أن النظرية ليست المشكلة، المشكلة في التطبيق، المشكلة في ذلك النابض بصدورنا والذي إما ينسبنا للإنسانية أو ما دونها!

شكرًا عزيزي نيكوس على رحابتك التي انتقلت لي عبر الكلمات، شكرًا عل الحياة التي تنبض من كلماتك، شكرًا لأنك إنسان.